أوضحنا هذا في شرحنا للمنتقى، وفي سائر مؤلفاتنا. قوله (ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة) هذه الجملة متضمنة للعلة التي لأجلها أمرهم الله بالحذر وأخذ السلاح: أي ودوا غفلتكم عن أخذ السلاح وعن الحذر ليصلوا إلى مقصودهم وينالوا فرصتهم، فيشدون عليكم شدة واحدة، والأمتعة ما يتمتع به في الحرب، ومنه الزاد والراحلة. قوله (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم) رخص لهم سبحانه في وضع السلاح إذا نالهم أذى من المطر وفي حال المرض، لأنه يصعب مع هذين الأمرين حمل السلاح، ثم أمرهم بأخذ الحذر لئلا يأتيهم العدو على غرة وهم غافلون.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي حنظلة قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر، فقال ركعتان قلت: فأين قوله تعالى (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفرا) ونحن آمنون؟ قال: سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد أنه سأل ابن عمر: أرأيت قصر الصلاة في السفر؟ إنا لا نجدها في كتاب الله، إنما نجد ذكر صلاة الخوف، فقال ابن عمر يا بن أخي إن الله أرسل محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ولا نعلم شيئا، فإنما نفعل كما رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل. وقصر الصلاة في السفر سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الصحيحين وغيرهما عن حارثة بن وهب الخزاعي قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر بمنى أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين. وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه والنسائي عن ابن عباس قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين مكة والمدينة ونحن آمنون لا نخاف شيئا ركعتين. وأخرج ابن جرير عن علي قال:
سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي؟
فأنزل الله (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) ثم انقطع الوحي، فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى الظهر، فقال المشركون: قد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم؟ فقال قائل منهم: إن لهم أخرى مثلها في أثرها، فأنزل الله بين الصلاتين (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا وإذا كنت فيهم) إلى قوله (إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا) فنزلت صلاة الخوف. وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والدارقطني والحاكم وصححه عن أبي عياش الزرقي قال:
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة فصلى بنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الظهر فقالوا: قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم، ثم قالوا: تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم، فنزل جبريل بهذه الآيات (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) ثم ذكر صفة الصلاة التي صلوها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم. والأحاديث في صفة صلاة الخوف كثيرة، وهي مستوفاة في مواطنها، فلا نطول بذكرها ها هنا. وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس في قوله (إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى) قال: نزلت في عبد الرحمن بن عوف كان جريحا.