عند الحلم (فإن آنستم) عرفتم (منهم رشدا) في حالهم والإصلاح في أموالهم (فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا) يعني تأكل مال اليتيم ببادرة قبل أن يبلغ فتحول بينه وبين ماله. وأخرج البخاري وغيره عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية في ولي اليتيم (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) بقدر قيامه عليه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس (ومن كان غنيا فليستعفف) قال بغناه (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) قال: يأكل من ماله يقوت على نفسه حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم وأخرج ابن جرير عنه قال: هو القرض. وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن ابن عباس قال: إن كان فقيرا أخذ من فضل اللبن وأخذ من فضل القوت ولا يجاوزه، وما يستر عورته من الثياب، فإن أيسر قضاه وإن أعسر فهو في حل. وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه من طرق عن عمر بن الخطاب قال: إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة ولي اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن احتجت أخذت منه بالمعروف، فإذا أيسرت قضيت. وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم عن ابن عمر " أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ليس لي مال ولي يتيم فقال: كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل مالا ومن غير أن تقي مالك بماله ". وأخرج أبو داود والنحاس كلاهما في الناسخ وابن المنذر عن ابن عباس في قوله (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) قال: نسختها (إن الذين يأكلون أموال اليتامى) الآية.
لما ذكر سبحانه حكم أموال اليتامى وصله بأحكام المواريث وكيفية قسمتها بين الورثة. وأفرد سبحانه ذكر النساء بعد ذكر الرجال، ولم يقل للرجال والنساء نصيب، للإيذان بأصالتهن في هذا الحكم، ودفع ما كانت عليه الجاهلية من عدم توريث النساء، وفي ذكر القرابة بيان لعلة الميراث مع التعميم لما يصدق عليه مسمى القرابة من دون تخصيص. وقوله (مما قل منه أو كثر) بدل من قوله (مما ترك) بإعادة الجار، والضمير في قوله (منه) راجع إلى المبدل منه. وقوله (نصيبا) منتصب على الحال أو على المصدرية أو على الاختصاص، وسيأتي ذكر السبب في نزول هذه الآية إن شاء الله، وقد أجمل الله سبحانه في هذه المواضع قدر النصيب المفروض، ثم أنزل قوله (يوصيكم الله في أولادكم) فبين ميراث كل فرد. قوله (وإذا حضر القسمة أولوا القربى) المراد بالقرابة هنا غير الوارثين، وكذا اليتامى والمساكين، شرع الله سبحانه أنهم إذا حضروا قسمة التركة كان لهم منها رزق، فيرضخ لهم المتقاسمون شيئا منها. وقد ذهب قوم إلى أن الآية محكمة وأن الأمر للندب. وذهب آخرون إلى أنها منسوخة بقوله تعالى - يوصيكم الله في أولادكم - والأول أرجح، لأن المذكور في الآية للقرابة غير الوارثين ليس