والسنة: الإمام المتبع المؤتم به، ومنه قول لبيد:
من مشعر سنت لهم آباؤهم * ولكل قوم سنة وإمام والسنة الأمة، والسنن الأمم، قاله المفضل الضبي. وقال الزجاج: المعني في الآية أهل سنن فحذف المضاف، والفاء في قوله (فسيروا) سببية، وقيل شرطية: أي إن شككتم فسيروا. والعاقبة: آخر. الأمر. والمعنى سيروا فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين فإنهم خالفوا رسلهم بالحرص على الدنيا ثم انقرضوا فلم يبق من دنياهم التي آثروها أثر. هذا قول أكثر المفسرين. والمطلوب من هذا السير المأمور به هو حصول المعرفة بذلك، فإن حصلت بدونه فقد حصل المقصود، وإن كان لمشاهدة الآثار زيادة غير حاصلة لمن لم يشاهدها، والإشارة بقوله (هذا) إلى قوله (قد خلت) وقال الحسن إلى القرآن (بيان للناس) أي تبيين لهم، وتعريف الناس للعهد وهم المكذبون، أو للجنس: أي للمكذبين وغيرهم. وفيه حث على النظر في سوء عاقبة المكذبين وما انتهى إليه أمرهم. قوله (وهدى وموعظة) أي هذا النظر مع كونه بيانا فيه هدى وموعظة للمتقين من المؤمنين، فعطف الهدى والموعظة على البيان يدل على التغاير ولو باعتبار المتعلق، وبيانه أن اللام في الناس إن كانت للعهد فالبيان للمكذبين والهدى والموعظة للمؤمنين، وإن كانت للجنس فالبيان لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم والهدى والموعظة للمتقين وحدهم. قوله (ولا تهنوا ولا تحزنوا) عزاهم وسلاهم بما نالهم يوم أحد من القتل والجراح، وحثهم على قتال عدوهم ونهاهم عن العجز والفشل، ثم بين لهم أنهم الأعلون على عدوهم بالنصر والظفر، وهي جملة حالية: أي والحال أنكم الأعلون عليهم وعلى غيرهم بعد هذه الوقعة. وقد صدق الله وعده فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد وقعة أحد ظفر بعدوه في جميع وقعاته، وقيل المعنى: وأنتم الأعلون عليهم بما أصبتم منهم في يوم بدر فإنه أكثر مما أصابوا منكم اليوم. وقوله (إن كنتم مؤمنين) متعلق بقوله (ولا تهنوا) وما بعده، أو بقوله (وأنتم الأعلون) أي إن كنتم مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا، أو إن كنتم مؤمنين فأنتم الأعلون. والقرح بالضم والفتح: الجرح وهما لغتان فيه، قاله الكسائي والأخفش. وقال الفراء: هو بالفتح الجرح، وبالضم ألمه. وقرأ محمد بن السميفع " قرح " بفتح القاف والراء على المصدر. والمعنى في الآية: إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم يوم بدر، فلا تهنوا لما أصابكم في هذا اليوم، فإنهم لم يهنوا لما أصابهم في ذلك اليوم، وأنتم أولى بالصبر منهم، وقيل إن المراد بما أصاب المؤمنين والكافرين في هذا اليوم، فإن المسلمين انتصروا عليهم في الابتداء فأصابوا منهم جماعة، ثم انتصر الكفار عليهم فأصابوا منهم. والأول أولى، لأن ما أصابه المسلمون من الكفار في هذا اليوم لم يكن مثل ما أصابوه منهم فيه. وقوله (وتلك الأيام) أي الكائنة بين الأمم في حروبها والآتية فيما بعد كالأيام الكائنة في زمن النبوة، تارة تغلب هذه الطائفة، وتارة تغلب الأخرى كما وقع لكم أيها المسلمون في يوم بدر وأحد، وهو معنى قوله (نداولها بين الناس) فقوله (تلك) مبتدأ، والأيام صفته، والخبر نداولها، وأصل المداولة المعاورة: داولته بينهم عاورته.
والدولة: الكرة، ويجوز أن تكون الأيام خبرا ونداولها حالا، والأول أولى. وقوله (وليعلم الله) معطوف على علة مقدرة كأنه قال: نداولها بين الناس ليظهر أمركم وليعلم، أو يكون المعلل محذوفا: أي ليعلم الله الذين اتقوا، فعلنا ذلك، وهو من باب التمثيل: أي فعلنا فعل من يريد أن يعلم لأنه سبحانه لم يزل عالما، أو ليعلم الله الذين آمنوا بصبرهم علما يقع عليه الجزاء كما علمه علما أزليا (ويتخذ منكم شهداء) أي يكرمهم بالشهادة. والشهداء جمع شهيد، سمى بذلك لكونه مشهودا له بالجنة، أو جمع شاهد لكونه كالمشاهد للجنة، ومن للتبعيض وهم شهداء أحد.
وقوله (والله لا يحب الظالمين) جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لتقرير مضمون ما قبله. وقوله (وليمحص