نصركم الله ببدر) جملة مستأنفة سيقت لتصبيرهم بتذكير ما يترتب على الصبر من النصر. وبدر اسم لماء كان في موضع الوقعة، وقيل هو اسم الموضع نفسه، وسيأتي سياق قصة بدر في الأنفال إن شاء الله. وأذلة جمع قلة، ومعناه: أنهم كانوا بسبب قلتهم أذلة، وهو جمع ذليل استعير للقلة، إذ لم يكونوا في أنفسهم أذلة، بل كانوا أعزة. والنصر: العون. وقد شرح أهل التواريخ والسير غزوة بدر وأحد بأتم شرح فلا حاجة لنا في سياق ذلك ها هنا. قوله (إذ تقول) متعلق بقوله (نصركم) والهمزة في قوله (ألن يكفيكم) للإنكار منه صلى الله عليه وآله وسلم عليهم عدم اكتفائهم بذلك المدد من الملائكة، ومعنى الكفاية سد الخلة والقيام بالأمر، والإمداد في الأصل:
إعطاء الشئ حالا بعد حال، والمجئ بلن لتأكيد النفي، وأصل الفور: القصد إلى الشئ والأخذ فيه بجد، وهو من قولهم فارت القدر تفور فورا وفورانا. إذا غلت، والفور: الغليان، وفار غضبه: إذا جاش وفعله من فوره أي قبل أن يسكن، والفوارة ما يفور من القدر، استعير للسرعة: أي إن يأتوكم من ساعتهم هذه يمددكم ربكم بالملائكة في حال إتيانهم لا يتأخر عن ذلك. قوله (مسومين) بفتح الواو اسم مفعول، وهي قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي ونافع: أي معلمين بعلامات. وقرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم (مسؤمين) بكسر الواو اسم فاعل:
أي معلمين أنفسهم بعلامة. ورجح ابن جرير هذه القراءة، والتسويم إظهار سيما الشئ. قال كثير من المفسرين (مسومين) أي مرسلين خيلهم في الغارة، وقيل إن الملائكة اعتمت بعمائم بيض، وقيل حمر، وقيل خضر، وقيل صفر، فهذه هي العلامة التي علموا بها أنفسهم حكى ذلك عن الزجاج، وقيل كانوا على خيل بلق، وقيل غير ذلك. قوله (وما جعله الله إلا بشرى لكم) كلام مبتدأ غير داخل في مقول القول، والضمير في قوله (جعله للإمداد المدلول عليه بالفعل، أو للتسويم، أو للإنزال، ورجح الأول الزجاج وصاحب الكشاف. وقوله (إلا بشرى) استثناء مفرغ من أعم العام، والبشرى اسم من البشارة: أي إلا لتبشروا بأنكم تنصرون ولتطمئن قلوبكم به: أي بالإمداد، واللام لام كي، جعل الله ذلك الإمداد بشرى بالنصر وطمأنينة للقلوب، وفي قصر الإمداد عليهما إشارة إلى عدم مباشرة الملائكة للقتال يومئذ (وما النصر إلا من عند الله) لا من عند غيره، فلا تنفع كثرة المقاتلة ووجود العدة. قوله (ليقطع طرفا من الذين كفروا) متعلق بقوله (ولقد نصركم الله ببدر) وقيل متعلق بقوله (وما النصر إلا من عند الله) وقيل متعلق بقوله (يمددكم) والطرف الطائفة، والمعنى: نصركم الله ببدر ليقطع طائفة من الكفار، وهم الذين قتلوا يوم بدر، أو وما النصر إلا من عند الله ليقطع تلك الطائفة أو يمددكم ليقطع. ومعنى يكبتهم يحزنهم، والمكبوت المحزون. وقال بعض أهل اللغة: معناه يكيدهم: أي يصيبهم بالحزن والغيظ في أكبادهم، وهو غير صحيح، فإن معنى كبت أحزن وأغاظ وأذل، ومعنى كبد أصاب الكبد (فينقلبوا خائبين) أي غير ظافرين بمطلبهم. قوله (ليس لك من الأمر شئ) جملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه:
أي أن الله مالك أمرهم يصنع بهم ما يشاء من الإهلاك أو الهزيمة أو التوبة إن أسلموا أو العذاب، فقوله (أو يتوب عليهم أو يعذبهم) عطف على قوله أو يكبتهم، وقال الفراء: إن أو بمعنى إلا أن، بمعنى ليس لك من الأمر شئ إلا أن يتوب عليهم فتفرح فقال بذلك أو يعذبهم فتشفي بهم. قوله (ولله ما في السماوات وما في الأرض) كلام مستأنف لبيان سعة ملكه (يغفر لمن يشاء) أن يغفر له (ويعذب من يشاء) أن يعذبه يفعل في ملكه ما يشاء ويحكم ما يريد - لا يسئل عما يفعل وهم يسألون - وفي قوله (والله غفور رحيم) إشارة إلى أن رحمته سبقت غضبه، وتبشير لعباده بأنه المتصف بالمغفرة والرحمة على وجه المبالغة، وما أوقع هذا التذييل الجليل وأحبه إلى قلوب العارفين بأسرار التنزيل.
وقد أخرج ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب وعاصم بن عمر بن قتادة ومحمد بن يحيى بن حبان