عليه وآله وسلم يقول في الآية: إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها. وروى من حديث معاذ وأبي سعيد نحوه. وقد وردت أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما أنه يدخل من هذه الأمة الجنة سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب، وهذا من فوائد كونها خير الأمم. وأخرج ابن جرير عن الحسن (لن يضروكم إلا أذى) قال:
تسمعون منهم كذبا على الله يدعونكم إلى الضلالة. وأخرج أيضا عن ابن جريج قال: إشراكهم في عزير وعيسى والصليب. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن وقتادة (ضربت عليهم الذلة) قالا: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. وروى ابن المنذر عن الضحاك نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (إلا بحبل من الله وحبل من الناس) قال: بعهد من الله وعهد من الناس.
قوله (ليسوا سواء) أي أهل الكتاب غير مستوين بل مختلفين، والجملة مستأنفة سبقت لبيان التفاوت بين بين أهل الكتاب. وقوله (أمة قائمة) هو استئناف أيضا يتضمن بيان لجهة التي تفاوتوا فيها من كون بعضهم أمة قائمة إلى قوله (من الصالحين) قال الأخفش: التقدير من أهل الكتاب ذو أمة، أي ذو طريقة حسنة وأنشد:
وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع * وقيل في الكلام حذف، والتقدير: من أهل الكتاب أمة قائمة وأخرى غير قائمة، فترك الأخرى اكتفاء بالأولى، كقول أبي ذؤيب:
عصيت إليها القلب إني لأمرها * مطيع فما أدري أرشد طلابها؟
أراد أرشد أم غي. قال الفراء: أمة رفع بسواء، والتقدير: ليس يستوي أمة من أهل الكتاب قائمة يتلون آيات الله وأمة كافرة. قال النحاس: وهذا القول خطأ من جهات: أحدها أنه يرفع أمة بسواء فلا يعود على اسم ليس شئ، ويرفع بما ليس جاريا على الفعل، ويضمر ما لا يحتاج إليه لأنه قد تقدم ذكر الكافرة، فليس لإضمار هذا وجه. وقال أبو عبيدة: هذا مثل قولهم أكلوني البراغيث، وذهبوا أصحابك. قال النحاس: وهذا غلط، لأنه قد تقدم ذكرهم، وأكلوني البراغيث لم يتقدم لهم ذكر انتهى.
وعندي أن ما قاله الفراء قوي قويم، وحاصله أن معنى الآية: لا يستوي أمة من أهل الكتاب شأنها كذا وأمة أخرى شأنها كذا، وليس تقدير هذا المحذوف من باب تقدير ما لا حاجة إليه كما قال النحاس: فإن تقدم ذكر الكافرة لا يفيد مفاد تقدير ذكرها هنا، وأما قوله إنه لا يعود على اسم ليس شئ، فيرده أن تقدير العائد شائع