ما رآه من ولادة حنة لمريم وقد كانت عاقرا، فحصل له رجاء الولد وإن كان كبيرا وامرأته عاقرا أو بعثه على ذلك ما رآه من فاكهة الشتاء في الصيف والصيف في الشتاء عند مريم لأن من أوجد ذلك في غير وقته يقدر على إيجاد الولد من العاقر، وعلى هذا يكون هذا الكلام قصة مستأنفة سيقت في غضون قصة مريم لما بينهما من الارتباط والذرية النسل يكون للواحد ويكون للجمع، ويدل على أنها هنا للواحد. قوله - فهب لي من لدنك وليا - ولم يقل أولياء، وتأنيث طيبة لكون لفظ الذرية مؤنثا. قوله (فنادته الملائكة) قرأ حمزة والكسائي " فناداه "، وبذلك قرأ ابن عباس وابن مسعود. وقرأ الباقون " فنادته الملائكة "، قيل المراد هنا جبريل، والتعبير بلفظ الجمع عن الواحد جائز في العربية، ومنه - الذين قال لهم الناس -، وقيل ناداه جميع الملائكة وهو الظاهر من إسناد الفعل إلى الجمع والمعنى الحقيقي مقدم فلا يصار إلى المجاز إلا لقرينة. قوله (وهو قائم) جملة حالية، و (يصلى في المحراب) صفة لقوله (قائم) أو خبر ثان لقوله (وهو). قوله (أن الله يبشرك) فإن قرئ بفتح أن، والتقدير بأن الله، وقرئ بكسرها على تقدير القول. وقرأ أهل المدينة يبشرك بالتشديد. وقرأ حمزة بالتخفيف. وقرأ حميد بن قيس المكي بكسر الشين وضم حرف المضارعة. قال الأخفش: هي ثلاث لغات بمعنى واحد، والقراءة الأولى هي التي وردت كثيرا في القرآن، ومنه - فبشر عبادي - بمغفرة - فبشرناها بإسحاق - قالوا بشرناك بالحق - وهي قراءة الجمهور. والثانية لغة أهل تهامة، وبها قرأ أيضا عبد الله بن مسعود. والثالثة من أبشر يبشر إبشارا. ويحيى ممتنع إما لكونه أعجميا أو لكون فيه وزن الفعل كيعمر مع العلمية. قال القرطبي حاكيا عن النقاش: كان اسمه في الكتاب الأول حنا انتهى. والذي رأيناه في مواضع من الإنجيل أنه يوحنا، قيل سمى بذلك لأن الله أحياه بالإيمان والنبوة، وقيل لأن الله أحيا به الناس بالهدى. والمراد هنا التبشير بولادته: أي يبشرك بولادة يحيى. وقوله (مصدقا بكلمة من الله) أي بعيسى علية سلام، وسمى كلمة الله لأنه كان بقوله سبحانه كن، وقيل سمى كلمة الله، لأن الناس يهتدون به كما يهتدون بكلام الله. وقال أبو عبيد: معنى (بكلمة من الله) بكتاب من الله، قال: والعرب تقول أنشدني كلمته: أي قصيدته كما روى أن الحويدرة ذكر لحسان فقال: لعن الله كلمته، يعني قصيدته انتهى. ويحيى أول من آمن بعيسى وصدق، وكان أكبر من عيسى بثلاث سنين، وقيل بستة أشهر. والسيد: الذي يسود قومه قال الزجاج: السيد الذي يفوق أقرانه في كل شئ من الخير. والحصور أصله من الحصر وهو الحبس، يقال حصرني الشئ وأحصرني: إذا حبسني، ومنه قول الشاعر:
وما هجر ليلى أن تكون تباعدت * عليك ولا أن أحصرتك شغول والحصور: الذي لا يأتي النساء كأنه يحجم عنهن كما يقال رجل حصور وحصير: إذا حبس رفده ولم يخرجه، فيحيى عليه السلام كان حصورا عن إتيان النساء: أي محصورا لا يأتيهن كغيرة من الرجال، إما لعدم القدرة على ذلك، أو لكونه يكف عنهن منعا لنفسه عن الشهوة مع القدرة. وقد رجح الثاني بأن المقام مقام مدح، وهو لا يكون إلا على أمر مكتسب يقدر فاعله على خلافه، لا على ما كان من أصل الحلقة وفي نفس الجبلة. وقوله (من الصالحين) أي ناشئا من الصالحين، لكونه من نسل الأنبياء، أو كائنا من جملة الصالحين، كما في قوله - وإنه في الآخرة لمن الصالحين -. قال الزجاج: الصالح الذي يؤدي لله ما افترض عليه، وإلى الناس حقوقهم.
قوله (قال رب أني يكون لي غلام) ظاهر هذا أن الخطاب منه لله سبحانه وإن كان الخطاب الواصل إليه هو بواسطة الملائكة، وذلك لمزيد التضرع والجد في طلب الجواب عن سؤاله، وقيل إنه أراد بالرب جبريل: أي يا سيدي، قيل وفي معنى هذا الاستفهام وجهان: أحدهما أنه سأل هل يرزق هذا الولد من امرأته العاقر أو من