أي هم أهل وقود النار. قوله (كدأب آل فرعون) الدأب: الاجتهاد، يقال دأب الرجل في عمله يدأب دأبا ودءوبا: إذا جد واجتهد، والدائبان الليل والنهار، والدأب: العادة والشأن، ومنه قول امرئ القيس:
كدأبك من أم الحويرث قبلها * وجارتها أم الرباب بمأسل والمراد هنا كعادة آل فرعون وشأنهم وحالهم، واختلفوا في الكاف، فقيل هي في موضع رفع تقديره دأبهم كدأب آل فرعون مع موسى. وقال الفراء: إن المعنى كفرت العرب ككفر آل فرعون. قال النحاس: لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا، لأن كفروا داخله في الصلة، وقيل هي متعلقة بأخذهم الله: أي أخذهم أخذة كما أخذ آل فرعون، وقيل هي متعلقة بلن تغنى: أي لم تغن عنهم غناء، كما لم تغن عن آل فرعون، وقيل إن العامل فعل مقدر من لفظ الوقود، ويكون التشبيه في نفس الإحراق. قالوا: ويؤيده قوله تعالى - أدخلوا آل فرعون أشد العذاب. النار يعرضون عليها غدوا وعشيا -، والقول الأول هو الذي قاله جمهور المحققين، ومنهم الأزهري. قوله (والذين من قبلهم) أي من قبل آل فرعون من الأمم الكافرة: أي وكدأب الذين من قبلهم.
قوله (كذبوا بآياتنا فأخذهم الله) يحتمل أن يريد الآيات المتلوة، ويحتمل أن يريد الآيات المنصوبة للدلالة على الوحدانية، ويصح إرادة الجميع. والجملة بيان وتفسير لدأبهم، ويجوز أن تكون في محل نصب على الخال من آل فرعون والذين من قبلهم على إضمار قد: أي دأب هؤلاء كدأب أولئك قد كذبوا الخ. وقوله (بذنوبهم) أي بسائر ذنوبهم التي من جملتها تكذيبهم. قوله (قل للذين كفروا) قيل هم اليهود، وقيل هم مشركو مكة، وسيأتي بيان سبب نزول الآية. وقوله (ستغلبون) قرئ بالفوقية والتحتية، وكذلك (تحشرون). وقد صدق الله وعده بقتل بني قريظة، وإجلاء بني النضير، وفتح خيبر، وضرب الجزية على سائر اليهود، ولله الحمد.
قوله (وبئس المهاد) يحتمل أن يكون من تمام القول الذي أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يقوله لهم، ويحتمل أن تكون الجملة مستأنفة تهويلا وتفظيعا. قوله (قد كان لكم آية) أي علامة عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم، وهذه الجملة جواب قسم محذوف، وهي من تمام القول المأمور به لتقرير مضمون ما قبله ولم يقل كانت لأن التأنيث غير حقيقي. وقال الفراء: إنه ذكر الفعل لأجل الفصل بينه وبين الاسم بقوله (لكم). والمراد بالفئتين المسلمون والمشركون لما اتقوا يوم بدر. قوله (فئة تقاتل في سبيل الله) قراءة الجمهور برفع فئة. وقرأ الحسن ومجاهد " فئة " و " كافرة " بالخفض، فالرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف أي إحداهما فئة. وقوله (تقاتل) في محل رفع على الصفة، والجر على البدل من قوله (فئتين). وقوله (وأخرى) أي وفئة أخرى كافرة. وقرأ ابن أبي عبلة بالنصب فيهما. قال ثعلب: هو على الحال: أي التقتا مختلفتين، مؤمنة وكافرة. وقال الزجاج: النصب بتقدير أعني، وسميت الجماعة من الناس فئة لأنه يفاء إليها: أي يرجع في وقت الشدة. وقال الزجاج الفئة:
الفرقة مأخوذ من فأوت رأسه بالسيف: إذا قطعته، ولا خلاف أن المراد بالفئتين هما المقتتلتان في يوم بدر، وإنما وقع الخلاف في المخاطب بهذا الخطاب، فقيل المخاطب بها المؤمنون، وقيل اليهود. وفائدة الخطاب للمؤمنين تثبيت نفوسهم وتشجيعها، وفائدته إذا كان مع اليهود عكس الفائدة المقصودة بخطاب المسلمين. قوله (ترونهم مثليهم) قال أبو علي الفارسي: الرؤية في هذه الآية رؤية العين، وذلك تعدت إلى مفعول واحد، ويدل عليه قوله (رأى العين) والمراد أنه يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين أو مثلي عدد المسلمين، وهذا على قراءة الجمهور بالياء التحتية، وقرأ نافع بالفوقية. وقوله (مثليهم) منتصب على الحال. وقد ذهب الجمهور إلى أن فاعل ترون هم المؤمنون،