الأعمال: أي من ثوابها، ومن جملة أعمالهم الدعاء، فما أعطاهم الله بسببه من الخير فهو مما كسبوا، وقيل إن معنى قوله (مما كسبوا) التعليل: أي من أجل ما كسبوا، وهو بعيد، وقيل إن قوله (أولئك) إشارة إلى الفريقين جميعا: أي للأولين نصيب من الدنيا ولا نصيب لهم في الآخرة، وللآخرين نصيب مما كسبوا في الدنيا وفي الآخرة، وسريع من سرع يسرع كعظم يعظم سرعا وسرعة، والحساب مصدر كالمحاسبة، وأصله العدد، يقال: حسب يحسب حسابا، وحسابة وحسبانا وحسبا. والمراد هنا المحسوب، سمي حسابا تسمية للمفعول بالمصدر، والمعنى:
أن حسابه لعباده في يوم القيامة سريع مجيئه، فبادروا ذلك بأعمال الخير، أو أنه وصف نفسه بسرعة حساب الخلائق على كثرة عددهم، وأنه لا يشغله شأن عن شأن فيحاسبهم في حالة واحدة كما قال تعالى (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة). قوله (في أيام معدودات) قال القرطبي: لا خلاف بين العلماء أن الأيام المعدودات في هذه الآية هي أيام منى وأيام التشريق، وهي أيام رمي الجمار. وقال الثعلبي: قال إبراهيم: الأيام المعدودات أيام العشر، والأيام المعلومات أيام النحر. وكذا روى عن مكي والمهدوي. قال القرطبي: ولا يصح لما ذكرناه من الإجماع على ما نقله أبو عمر بن عبد البر وغيره. وروى الطحاوي عن أبي يوسف أن الأيام المعلومات أيام النحر، قال: لقوله تعالى - ويذكروا الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام - وحكى الكرخي عن محمد بن الحسن أن الأيام المعلومات أيام النحر الثلاثة. يوم الأضحى، ويومان بعده. قال الكيا الطبري:
فعلى قول أبي يوسف ومحمد لا فرق بين المعلومات والمعدودات، لأن المعدودات المذكورة في القرآن أيام التشريق بلا خلاف. وروى عن مالك أن الأيام المعدودات والأيام المعلومات يجمعها أربعة أيام، يوم النحر، وثلاثة أيام بعده، فيوم النحر معلوم غير معدود، واليومان بعده معلومان معدودان، واليوم الرابع معدود لا معلوم، وهو مروي عن ابن عمر. وقال ابن زيد: الأيام المعلومات: عشر ذي الحجة، وأيام التشريق. والمخاطب بهذا الخطاب المذكور في الآية، أغني قوله تعالى (واذكروا الله في أيام معدودات) هو الحاج وغيره كما ذهب إليه الجمهور، وقيل هو خاص بالحاج. وقد اختلف أهل العلم في وقته، فقيل من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق، وقيل من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر النحر، وبه قال أبو حنيفة، وقيل من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، وبه قال مالك والشافعي. قوله (فمن تعجل) الآية، اليومان هما يوم ثاني النحر ويوم ثالثه. وقال ابن عباس والحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة والنخعي: من رمي في اليوم الثاني من الأيام المعدودات فلا حرج، ومن تأخر إلى الثالث فلا حرج، فمعنى الآية كل ذلك مباح، وعبر عنه بهذا التقسيم اهتماما وتأكيدا، لأن من العرب من كان يذم التعجل، ومنهم من كان يذم التأخر، فنزلت الآية رافعة للجناح في كل ذلك، وقال علي وابن مسعود: معنى الآية: من تعجل فقد غفر له، ومن تأخر فقد غفر له، والآية قد دلت على أن التعجل والتأخر مباحان. وقوله (لمن اتقى) معناه أن التخيير ورفع الإثم ثابت لمن اتقى، لأن صاحب التقوى يتحرز عن كل ما يريبه، فكان أحق بتخصيصه بهذا الحكم. قال الأخفش:
التقدير ذلك لمن اتقى، وقيل: لمن اتقى بعد انصرافه من الحج عن جميع المعاصي، وقيل: لمن اتقى قتل الصيد، وقيل معناه: السلامة لمن اتقى، وقيل هو متعلق بالذكر: أي الذكر لمن اتقى.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت " كانت قريش ومن دان بدينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحمس، وكانت سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها