(أم) هذه هي المنقطعة التي بمعنى بل: أي بل تريدون، وفي هذا توبيخ وتقريع، والكاف في قوله (كما سئل) في موضع نصب نعت لمصدر محذوف: أي سؤالا مثل ما سئل موسى من قبل حيث سألوه أن يريهم الله جهرة، وسألوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتي بالله والملائكة قبيلا. وقوله (سواء) هو الوسط من كل شئ قاله أبو عبيدة، ومنه قوله تعالى - في سواء الجحيم - ومنه قول حسان يرثي النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
يا ويح أصحاب النبي ورهطه * بعد المغيب في سواء الملحد وقال الفراء: السواء القصد: أي ذهب عن قصد الطريق وسمته: أي طريق طاعة الله. وقوله تعالى (ود كثير من أهل الكتاب) فيه إخبار المسلمين بحرص اليهود على فتنتهم وردهم عن الإسلام والتشكيك عليهم في دينهم.
وقوله (لو يردونكم) في محل نصب على أنه مفعول للفعل المذكور. وقوله (من عند أنفسهم) يحتمل أن يتعلق بقوله " ود " أي ودوا ذلك من عند أنفسهم، ويحتمل أن يتعلق بقوله (حسدا) أي حسدا ناشئا من عند أنفسهم، وهو علة لقوله " ود ". والعفو: ترك المؤاخذة بالذنب. والصفح: إزالة أثره من النفس، صفحت عن فلان:
إذا أعرضت عن ذنبه. وقد ضربت عنه صفحا: إذا أعرضت عنه، وفيه الترغيب في ذلك والإرشاد إليه - وقد نسخ ذلك بالأمر بالقتال، قاله أبو عبيدة. وقوله (حتى يأتي الله بأمره) هو غاية ما أمر الله سبحانه به من العفو والصفح: أي افعلوا ذلك إلى أن يأتي إليكم الأمر من الله سبحانه في شأنهم بما يختاره ويشاؤه، وما قد قضى به في سابق علمه، وهو قتل من قتل منهم، وإجلاء من أجلى، وضرب الجزية على من ضربت عليه، وإسلام من أسلم. وقوله (وأقيموا الصلاة) حث من الله سبحانه لهم على الاشتغال بما ينفعهم ويعود عليهم بالمصلحة، من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وتقديم الخير الذي يثابون عليه حتى يمكن الله لهم وينصرهم على المخالفين لهم.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال: قال رافع بن حريملة ووهب ابن زيد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا محمد ائتنا بكتاب ينزل علينا من السماء نقرؤه أو فجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك، فأنزل الله في ذلك (أم تريدون أن تسألوا رسولكم - إلى قوله - سواء السبيل) وكان حيي بن أخطب من أشد اليهود حسدا للعرب إذ خصهم الله برسوله، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ما استطاعا، فأنزل الله فيهما (ود كثير من أهل الكتاب) الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي قال: سألت العرب محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتيهم بالله فيروه جهرة. فنزلت هذه الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: قال رجل: لو كانت كفاراتنا كفارات بني إسرائيل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " ما أعطاكم الله خير، كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها، فإن كفرها كانت له خزايا في الدنيا، وإن لم يكفرها كانت له خزايا في الآخرة. وقد أعطاكم الله خيرا من ذلك قال - يعمل سوءا أو يظلم نفسه - الآية، والصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن، فأنزل الله