يعبدون " وقال تعالى في هذه الآية الكريمة " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " فكيف يسوغ لاحد من المشركين بعد هذا أن يقول " لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ " فمشيئته تعالى الشرعية عنهم منتفية لأنه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله وأما مشيئته الكونية وهي تمكينهم من ذلك قدرا فلا حجة لهم فيها لأنه تعالى خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة وهو لا يرضى لعباده الكفر وله في ذلك حجة بالغة وحكمة قاطعة ثم إنه تعالى قد أخبر أنه أنكر عليهم بالعقوبة في الدنيا بعد إنذار الرسل فلهذا قال " فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " أي اسألوا عما كان من أمر من خالف الرسل وكذب الحق كيف " دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها " فقال " ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير " ثم أخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن حرصه على هدايتهم لا ينفعهم إذا كان الله قد أراد إضلالهم كقوله تعالى " ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا " وقال نوح لقومه " ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم " وقال في هذه الآية الكريمة " إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل " كما قال الله " ومن يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون " وقال تعالى " إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم " وقوله " فإن الله " أي شأنه وأمره أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن فلهذا قال " لا يهدي من يضل " أي من أضله فمن ذا الذي يهديه من بعد الله؟ أي لا أحد " وما لهم من ناصرين " أي ينقذونهم من عذابه ووثاقه " ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين ".
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون (38) ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا إنهم كانوا كاذبين (39) إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون (40) يقول تعالى مخبرا عن المشركين أنهم حلفوا فأقسموا بالله جهد أيمانهم أي اجتهدوا في الحلف وغلظوا الايمان على أنه لا يبعث الله من يموت أي استبعدوا ذلك وكذبوا الرسل في إخبارهم لهم بذلك وحلفوا على نقيضه فقال تعالى مكذبا لهم وردا عليهم " بلى " أي بلى سيكون ذلك " وعدا عليه حقا " أي لا بد منه " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " أي فلجهلهم يخالفون الرسل ويقعون في الكفر ثم ذكر تعالى حكمته في المعاد وقيام الأجسام يوم التناد فقال " ليبين لهم " أي للناس " الذي يختلفون فيه " أي من كل شئ " ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى " " وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين " أي في أيمانهم وأقسامهم لا يبعث الله من يموت ولهذا يدعون يوم القيامة إلى نار جهنم دعا وتقول لهم الزبانية " هذه النار التي كنتم بها تكذبون * أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون * اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون " ثم أخبر تعالى عن قدرته على ما يشاء وأنه لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون والمعاد من ذلك إذا أراد كونه فإنما يأمر به مرة واحدة فيكون كما يشاء كقوله " وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر " وقال " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " وقال في هذه الآية الكريمة " إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " أي أن نأمر به مرة واحدة فإذا هو كائن كما قال الشاعر:
إذا ما أراد الله أمرا فإنما * يقول له كن فيكون أي أنه تعالى لا يحتاج إلى تأكيد فيما يأمر به فإنه تعالى لا يمانع ولا يخالف لأنه الواحد القهار العظيم الذي قهر سلطانه وجبروته وعزته كل شئ فلا إله إلا هو ولا رب سواه وقال ابن أبي حاتم: ذكر الحسن بن محمد بن