(فذلكم الله ربكم الحق) الآية أي فهذا الذي اعترفتم بأنه فاعل ذلك كله هو ربكم وإلهكم الحق الذي يستحق أن يفرد بالعبادة " فماذا بعد الحق إلا الضلال " أي فكل معبود سواه باطل لا إله إلا هو واحد لا شريك له " فأنى تصرفون " أي فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة ما سواه وأنتم تعلمون أنه الرب الذي خلق كل شئ والمتصرف في كل شئ وقوله " كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا " الآية أي كما كفر هؤلاء المشركون واستمروا على شركهم وعبادتهم مع الله غيره مع أنهم يعترفون بأنه الخالق الرازق المتصرف في الملك وحده الذي بعث رسله بتوحيده فلهذا حقت عليهم كلمة الله أنهم أشقياء من ساكني النار كقوله " قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ".
قل هل من شركائكم من يبدؤا الخلق ثم يعيده قل الله يبدؤا الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون (34) قل هل من شركائكم من يهدى إلى الحق قل الله يهدى للحق أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدى إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون (35) وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغنى من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون (36) وهذا إبطال لدعواهم فيما أشركوا بالله غيره وعبدوا من الأصنام والأنداد " قل هل من شركائكم من يبدؤ الخلق ثم يعيده " أي من بدأ خلق هذه السماوات والأرض ثم ينشئ ما فيهما من الخلائق ويفرق أجرام السماوات والأرض ويبدلهما بفناء ما فيهما ثم يعيد الخلق خلقا جديدا " قل الله " هو الذي يفعل هذا ويستقل به وحده لا شريك له " فأني تؤفكون " أي فكيف تصرفون عن طريق الرشد إلى الباطل " قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق " أي أنتم تعلمون أن شركاءكم لا تقدر على هداية ضال وإنما يهدي الحيارى والضلال ويقلب القلوب من الغي إلى الرشد الله الذي لا إله إلا هو " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى " أي أفيتبع العبد الذي يهدي إلى الحق ويبصر بعد العمى أم الذي لا يهدي إلى شئ إلا أن يهدى لعماه وبكمه كما قال تعالى إخبارا عن إبراهيم أنه قال " يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا " وقال لقومه " أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون " إلى غير ذلك من الآيات وقوله " فما لكم كيف تحكمون " أي ما بالكم أن يذهب بعقولكم كيف سويتم بين الله وبين خلقه وعدلتم هذا بهذا وعبد تم هذا وهذا؟ وهلا أفردتم الرب جل جلاله المالك الحاكم الهادي من الضلالة بالعبادة وحده وأخلصتم إليه الدعوة والإنابة؟ ثم بين تعالى أنهم لا يتبعون في دينهم هذا دليلا ولا برهانا وإنما هو ظن منهم أي توهم وتخيل وذلك لا يغني عنهم شيئا " إن الله عليم بما يفعلون " تهديد لهم ووعيد شديد لأنه تعالى أخبر أنه سيجازيهم على ذلك أتم الجزاء.
وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين (37) أم يقولون أفتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين (38) بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين (39) ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين (40) هذا بيان لاعجاز القرآن وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله ولا بعشر سور ولا بسورة من مثله لأنه بفصاحته