وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا " فأراد موسى أن تكون البداءة منهم ليرى الناس ما صنعوا ثم يأتي بالحق بعده فيدمغ باطلهم. ولهذا لما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم " فأوجس في نفسه خيفة موسى * قلنا لا تخف إنك أنت الاعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى " فعند ذلك قال موسى لما ألقوا " ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين * ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون " وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عمار بن الحارث حدثنا عبد الرحمن يعني الدشتكي أخبرنا أبو جعفر الرازي عن ليث وهو ابن أبي سليم قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تعالى تقرأ فيه إناء فيه ماء ثم يصب على رأس المسحور الآية التي من سورة يونس " فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين * ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون " والآية الأخرى " فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون " إلى آخر أربع آيات وقوله " إن ما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ".
فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملأهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين (83) يخبر تعالى أنه لم يؤمن بموسى عليه السلام مع ما جاء به من الآيات البينات والحجج القاطعات والبراهين الساطعات إلا قليل من قوم فرعون من الذرية وهم الشباب على وجل وخوف منه ومن ملئه أن يردوهم إلى ما كانوا عليه من الكفر لان فرعون لعنه الله كان جبارا عنيدا مسرفا في التمرد والعتو وكانت له سطوة ومهابة تخاف رعيته منه خوفا شديدا. قال العوفي عن ابن عباس " فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم " قال فإن الذرية التي آمنت لموسى من أناس غير بني إسرائيل من قوم فرعون يسير منهم امرأة فرعون ومؤمن آل فرعون وخازن فرعون وامرأة خازنه وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله " فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه " يقول بني إسرائيل وعن ابن عباس والضحاك وقتادة الذرية القليل وقال مجاهد في قوله إلا ذرية من قومه قال هم أولاد الذين أرسل إليهم موسى من طول الزمان ومات آباؤهم، واختار ابن جرير قول مجاهد في الذرية أنها من بني إسرائيل لا من قوم فرعون لعود الضمير على أقرب المذكورين وفي هذا نظر لأنه أراد بالذرية الاحداث والشباب وأنهم من بني إسرائيل فالمعروف أن بني إسرائيل كلهم آمنوا بموسى عليه السلام واستبشروا به وقد كانوا يعرفون نعته وصفته والبشارة به من كتبهم المتقدمة وأن الله تعالى سينقذهم به من أسر فرعون ويظهرهم عليه ولهذا لما بلغ هذا فرعون حذر كل الحذر فلم يجد عنه شيئا ولما جاء موسى آذاهم فرعون أشد الأذى و " قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون " وإذا تقرر هذا فكيف يكون المراد إلا ذرية من قوم موسى وهم بنو إسرائيل " على خوف من فرعون وملئهم " أي وأشراف قومهم أن يفتنهم ولم يكن في بني إسرائيل من يخاف منه أن يفتن عن الايمان سوى قارون فإنه كان من قوم موسى فبغى عليهم لكنه كان طاويا إلى فرعون متصلا به متعلقا بحباله، ومن قال إن الضمير في قوله وملئهم عائد إلى فرعون وعظم الملك من أجل اتباعه أو بحذف آل فرعون وإقامة المضاف إليه مقامه فقد أبعد وإن كان ابن جرير قد حكاه عن بعض النحاة. ومما يدل على أنه لم يكن في بني إسرائيل إلا مؤمن قوله تعالى.
وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين (84) فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين (85) ونجنا برحمتك من القوم الكافرين (86)