وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين (24) ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون (25) يقول تعالى وإذا قيل لهؤلاء المكذبين " ماذا أنزل ربكم قالوا " معرضين عن الجواب " أساطير الأولين " أي لم ينزل شيئا إنما هذا الذي يتلى علينا أساطير الأولين أي مأخوذ من كتب المتقدمين كما قال تعالى " وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا " أي يفترون على الرسول ويقولون أقوالا متضادة مختلفة كلها باطلة كما قال تعالى " انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " وذلك أن كل من خرج عن الحق فمهما قال أخطأ وكانوا يقولون ساحر وشاعر وكاهن ومجنون ثم استقر أمرهم إلى ما اختلقه لهم شيخهم الوحيد المسمى بالوليد بن المغيرة المخزومي لما " فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلا سحر يؤثر " أي ينقل ويحكى فتفرقوا عن قوله ورأيه قبحهم الله، قال الله تعالى " ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم " أي إنما قدرنا عليهم أن يقولوا ذلك ليتحملوا أوزارهم ومن أوزار الذين يتبعونهم ويوافقونهم أي يصير عليهم خطيئة ضلالهم في أنفسهم وخطيئة إغوائهم لغيرهم واقتداء أولئك بهم كما جاء في الحديث " من دعا إلى هدى كان له من الاجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الاثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا " وقال تعالى " وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون " وهكذا روى العوفي عن ابن عباس في الآية " ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم " أنها كقوله " وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم " وقال مجاهد: يحملون أثقالهم ذنوبهم وذنوب من أطاعهم ولا يخفف عمن أطاعهم من العذاب شيئا.
قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون (26) ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين (27) قال العوفي عن ابن عباس في قوله " قد مكر الذين من قبلهم " قال هو النمرود الذي بني الصرح قال ابن أبي حاتم وروي عن مجاهد نحوه وقال عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم أول جبار كان في الأرض النمرود فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق وأرحم الناس به من جمع يديه فضرب بهما رأسه وكان جبارا أربعمائة سنة فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه ثم أماته وهو الذي بنى الصرح إلى السماء الذي قال الله تعالى " فأتى الله بنيانهم من القواعد " وقال آخرون بل هو بختنصر وذكروا من المكر الذي حكاه الله ههنا كما قال في سورة إبراهيم " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " وقال آخرون هذا من باب المثل لابطال ما صنعه هؤلاء الذين كفروا بالله وأشركوا في عبادته غيره كما قال نوح عليه السلام " ومكروا مكرا كبارا " أي احتالوا في إضلال الناس بكل حيلة وأمالوهم إلى شركهم بكل وسيلة كما يقول لهم أتباعهم يوم القيامة " بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا " الآية وقوله " فأتى الله بنيانهم من القواعد " أي اجتثه من أصله وأبطل عملهم كقوله تعالى " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله " وقوله " فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الابصار " وقال الله ههنا " فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا