وبين المغرب حتى تغيب عن الابصار فيه ثم تبدو في الليلة القابلة على هذا المنوال ومثل هذه لا تصلح للإلهية ثم انتقل إلى القمر فبين فيه مثل ما بين في النجم ثم انتقل إلى الشمس كذلك فلما انتفت الإلهية عن هذه الاجرام الثلاثة التي هي أنور ما تقع عليه الابصار وتحقق ذلك بالدليل القاطع " قال يا قوم إني برئ مما تشركون " أي أنا برئ من عبادتهن وموالاتهن فإن كانت آلهة فكيدوني بها جميعا ثم لا تنظرون " إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين " أي إنما أعبد خالق هذه الأشياء ومخترعها ومسخرها ومقدرها ومدبرها الذي بيده ملكوت كل شئ وخالق كل شئ وربه ومليكه وإلهه كما قال تعالى " إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين " وكيف يجوز أن يكون إبراهيم ناظرا في هذا المقام وهو الذي قال الله في حقه " ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين * إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون " الآيات وقال تعالى " إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين * شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم * وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين * ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " وقال تعالى " قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " كل مولود يولد على الفطرة " وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " قال الله إني خلقت عبادي حنفاء ". وقال الله في كتابه العزيز " فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " وقال تعالى " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى " ومعناه على أحد القولين كقوله " فطرت الله التي فطر الناس عليها " كما سيأتي بيانه فإذا كان هذا في حق سائر الخليقة فكيف يكون إبراهيم الخليل الذي جعله الله أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ناظرا في هذا المقام بل هو أولى الناس بالفطرة السليمة والسجية المستقيمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك ولا ريب ومما يؤيد أنه كان في هذا المقام مناظرا لقومه فيما كانوا فيه من الشرك لا ناظرا قوله تعالى.
وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شئ علما أفلا تتذكرون (80) وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون (81) الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون (82) وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من تشاء إن ربك حكيم عليم (83) يقول تعالى مخبرا عن خليله إبراهيم حين جادله قومه فيما ذهب إليه من التوحيد وناظروه بشبه من القول أنه قال " أتحاجوني في الله وقد هدان " أي تجادلونني في أمر الله وأنه لا إله إلا هو وقد بصرني وهداني إلى الحق وأنا على بينة منه فكيف ألتفت إلى أقوالكم الفاسدة وشبهكم الباطلة وقوله " ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربى شيئا " أي ومن الدليل على بطلان قولكم فيما ذهبتم إليه أن هذه الآلهة التي تعبدونها لا تؤثر شيئا وأنا لا أخافها ولا أباليها فإن كان لها كيد فكيدوني بها ولا تنظرون بل عاجلوني بذلك. وقوله تعالى " إلا أن يشاء ربي شيئا " استثناء منقطع أي لا يضر ولا ينفع إلا الله عز وجل " وسع ربي كل شئ علما " أي أحاط علمه بجميع الأشياء فلا يخفى عليه خافية " أفلا تتذكرون " أي فيما بينته لكم أفلا تعتبرون أن هذه الآلهة باطلة فتنزجروا عن عبادتها وهذه الحجة نظير ما احتج