في البدن والدين وقد تمسك بهذه الآية الكريمة من يرى التحسين والتقبيح العقليين وأجيب عن ذلك بما لا يتسع هذا الموضع له وكذا احتج بها من ذهب من العلماء إلا أن المرجع في حل المآكل التي لم ينص على تحليلها ولا تحريمها إلى ما استطابته العرب في حال رفاهيتها وكذا في جانب التحريم إلى ما استخبثته وفيه كلام طويل أيضا وقوله " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " أي أنه جاء بالتيسير والسماحة كما ورد الحديث من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " بعثت بالحنيفية السمحة " وقال صلى الله عليه وسلم لأميريه معاذ وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن " بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا ". وقال صاحب أبو بزرة الأسلمي إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت تيسيره وقد كانت الأمم التي قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم فوسع الله على هذه الأمة أمورها وسهلها لهم ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تجاوز لامتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل " وقال " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " ولهذا قال أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ". وثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى قال بعد كل سؤال من هذه قد فعلت قد فعلت وقوله " فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه " أي عظموه ووقروه وقوله " واتبعوا النور الذي أنزل معه " أي القرآن والوحي الذي جاء به مبلغا إلى الناس " أولئك هم المفلحون " أي في الدنيا والآخرة.
قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون (158) يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم " قل " يا محمد " يا أيها الناس " وهذا خطاب للأحمر والأسود والعربي والعجمي " إني رسول الله إليكم جميعا " أي جميعكم وهذا من شرفه وعظمته صلى الله عليه وسلم أنه خاتم النبيين وأنه مبعوث إلى الناس كافة كما قال الله تعالى " قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ " وقال تعالى " ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده " وقال تعالى " وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ " والآيات في هذا كثيرة كما أن الأحاديث في هذا أكثر من أن تحصر وهو معلوم من دين الاسلام ضرورة أنه صلوات الله وسلامه عليه رسول الله إلى الناس كلهم قال البخاري رحمه الله في تفسير هذه الآية حدثنا عبد الله حدثنا سليمان بن عبد الرحمن وموسى بن هارون قالا حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن العلاء بن زيد حدثني بشر بن عبيد الله حدثني أبو إدريس الخولاني قال سمعت أبا الدرداء رضي الله عنه يقول: كانت بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما محاورة فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه عمر مغضبا فأتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو الدرداء ونحن عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما صاحبكم هذا فقد غامر " أي غاضب وحاقد قال وندم عمر على ما كان منه فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر قال أبو الدرداء فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أبو بكر يقول والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ إني قلت يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت " انفرد به البخاري.
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس مرفوعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي ولا أقوله فخرا: بعثت إلى الناس كافة الأحمر والأسود ونصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا