عن سليمان في قوله " كتب ربكم على نفسه الرحمة " قال: إنا نجد في التوراة عطفتين إن الله خلق السماوات والأرض وخلق مائة رحمة أو جعل مائة رحمة قبل أن يخلق الخلق ثم خلق الخلق فوضع بينهم رحمة واحدة وأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة قال فيها يتراحمون وبها يتعاطفون وبها يتباذلون وبها يتزاورون وبها تحن الناقة وبها تبح البقرة وبها تثغو الشاة وبها تتتابع الطير وبها تتتابع الحيتان في البحر فإذا كان يوم القيامة جمع الله تلك الرحمة إلى ما عنده ورحمته أفضل وأوسع وقد روي هذا مرفوعا من وجه آخر وسيأتي كثير من الأحاديث الموافقة لهذه عند قوله " ورحمتي وسعت كل شئ " ومما يناسب هذه الآية من الأحاديث أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل " أتدري ما حق الله على العباد؟ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا " ثم قال " أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟ أن لا يعذبهم " وقد رواه الإمام أحمد من طريق كميل بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين (55) قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين (56) قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين (57) قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضى الامر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين (58) وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين (59) يقول تعالى وكما بينا ما تقدم بيانه من الحجج والدلائل على طريق الهداية والرشاد وذم المجادلة والعناد " كذلك نفصل الآيات " أي التي يحتاج المخاطبون إلى بيانها " ولتستبين سبيل المجرمين " أي ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل وقرئ " ولتستبين سبيل المجرمين " أي ولتستبين يا محمد أو يا مخاطب سبيل المجرمين وقوله " قل إني على بينة من ربي " أي على بصيرة من شريعة الله التي أوحاها الله إلي " وكذبتم به " أي بالحق الذي جاءني من الله " ما عندي ما تستعجلون به " أي من العذاب " إن الحكم إلا لله " أي إنما يرجع أمر ذلك إلى الله إن شاء عجل لكم ما سألتموه من ذلك وإن شاء أنظركم وأجلكم لما له في ذلك من الحكمة العظيمة ولهذا قال " يقص الحق وهو خير الفاصلين " أي وهو خير من فصل القضايا وخير الفاتحين في الحكم بين عباده وقوله " قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الامر بيني وبينكم " أي لو كان مرجع ذلك إلي لأوقعت لكم ما تستحقونه من ذلك " والله أعلم بالظالمين " فإن قيل فما الجمع بين هذه الآية وبين ما ثبت في الصحيحين من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال " لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل ابن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد ظللتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به