ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون (13) ينبه تعالى عباده على آياته العظام ومننه الجسام في تسخيره الليل والنهار يتعاقبان والشمس والقمر يدوران والنجوم الثوابت والسيارات في أرجاء السماوات نورا وضياء ليهتدى بها في الظلمات وكل منها يسير في فلكه الذي جعله الله تعالى فيه يسير بحركة مقدرة لا يزيد عليها ولا ينقص عنها والجميع تحت قهره وسلطانه وتسخيره وتقديره وتسهيله كقوله " إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين " ولهذا قال " إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون " أي لدلالات على قدرته تعالى الباهرة وسلطانه العظيم لقوم يعقلون عن الله ويفهمون حججه. وقوله " وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه " لما نبه تعالى على معالم السماوات نبه على ما خلق في الأرض من الأمور العجيبة والأشياء المختلفة من الحيوانات والمعادن والنباتات والجمادات على اختلاف ألوانها وأشكالها وما فيها من المنافع والخواص " إن في ذلك لآية لقوم يذكرون " أي آلاء الله ونعمه فيشكرونها.
وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (14) وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون (15) وعلامات وبالنجم هم يهتدون (16) أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون (17) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم (18) يخبر تعالى عن تسخيره البحر المتلاطم الأمواج ويمتن على عباده بتذليله لهم وتيسيرهم للركوب فيه وجعله السمك والحيتان فيه وإحلاله لعباده لحمها حيها وميتها في الحل والاحرام وما يخلقه فيه من اللآلئ والجواهر النفيسة وتسهيله للعباد استخراجهم من قراره حلية يلبسونها وتسخيره البحر لحمل السفن التي تمخره أي تشقه وقيل تمخر الرياح وكلاهما صحيح وقيل تمخره بجؤجئها وهو صدرها المسنم الذي أرشد العباد إلى صنعتها وهداهم إلى ذلك إرثا عن أبيهم نوح عليه السلام فإنه أول من ركب السفن وله كان تعليم صنعتها ثم أخذها الناس عنه قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل يسيرون من قطر إلى قطر ومن بلد إلى بلد ومن إقليم إلى إقليم لجلب ما هناك إلى هنا وما هنا إلى هناك ولهذا قال تعالى " ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون " أي نعمه وإحسانه. وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده وجدت في كتابي عن محمد بن معاوية البغدادي حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمرو عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: كلم الله البحر الغربي وكلم البحر الشرقي فقال للبحر الغربي إني حامل فيك عبادا من عبادي فكيف أنت صانع فيهم؟ قال أغرقهم فقال بأسك في نواحيك واحملهم على يدي وحرمت الحلية والصيد وكلم البحر الشرقي فقال: إني حامل فيك عبادا من عبادي فما أنت صانع بهم؟ فقال: أحملهم على يدي وأكون لهم كالوالدة لولدها فأثابه الحلية والصيد ثم قال البزار لا نعلم من رواه عن سهل غير عبد الرحمن بن عبد الله بن عمرو وهو منكر الحديث. وقد رواه سهل عن النعمان بن أبي عياش عن عبد الله بن عمرو موقوفا. ثم ذكر تعالى الأرض وما ألقى فيها من الرواسي الشامخات والجبال الراسيات لتقر الأرض ولا تميد أي تضطرب بما عليها من الحيوانات فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك ولهذا قال " والجبال أرساها " وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن قتادة سمعت الحسن يقول: لما خلقت الأرض كانت تميد فقالوا ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا فأصبحوا وقد خلقت الجبال فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال " وقال سعيد عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عبادة أن الله لما خلق الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة: ما هذه بمقرة على