بل أصبر ولا حساب علي ورواه غير واحد من أهل السنن وعندهم قالت: يا رسول الله إني أصرع وأتكشف فادع الله أن يشفيني فقال " إن شئت دعوت الله أن يشفيك وإن شئت صبرت ولك الجنة " فقالت: بل أصبر ولي الجنة ولكن ادع الله أن لا أتكشف فدعا لها فكانت لا تتكشف وأخرجه الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة عمرو بن جامع من تاريخه أن شابا كان يتعبد في المسجد فهويته امرأة فدعته إلى نفسها فما زالت به حتى كاد يدخل معها المنزل فذكر هذه الآية " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " فخر مغشيا عليه ثم أفاق فأعادها فمات فجاء عمر فعزى فيه أباه وكان قد دفن ليلا فذهب فصلى على قبره بمن معه ثم ناداه عمر فقال يا فتى " ولمن خاف مقام ربه جنتان " فأجابه الفتى من داخل القبر: يا عمر قد أعطانيهما ربي عز وجل في الجنة مرتين. وقوله تعالى " وإخوانهم يمدونهم " أي وإخوان الشياطين من الانس كقوله " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " وهم أتباعهم والمستمعون لهم القابلون لأوامرهم يمدونهم في الغي أي تساعدهم الشياطين على المعاصي وتسهلها عليهم وتحسنها لهم. وقال ابن كثير: المد الزيادة يعني يزيدونهم في الغي يعني الجهل والسفه " ثم لا يقصرون " قيل معناه إن الشياطين تمد الانس لا تقصر في أعمالهم بذلك كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله " وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون " الآية قال لا الانس يقصرون عما يعملون ولا الشياطين تمسك عنهم وقيل معناه كما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله " يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون " قال هم الجن يوحون إلى أوليائهم من الانس ثم لا يقصرون يقول لا يسأمون وكذا قال السدي وغيره إن الشياطين يمدون أولياءهم من الانس ولا تسأم من إمدادهم في الشر لان ذلك طبيعة لهم وسجية " لا يقصرون " لا تفتر فيه ولا تبطل عنه كما قال تعالى " ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا " قال ابن عباس وغيره تزعجهم إلى المعاصي إزعاجا.
وإذا لم تأتيهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون (203) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى " قالوا لولا اجتبيتها " يقول لولا تلقيتها وقال مرة أخرى:
لولا أحدثتها فأنشأتها. وقال ابن جرير عن عبد الله بن كثير عن مجاهد في قوله " وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها " قال لولا اقتضيتها قالوا تخرجها عن نفسك وكذا قال قتادة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم واختاره ابن جرير وقال العوفي عن ابن عباس " لولا اجتبيتها " يقول تلقيتها من الله تعالى وقال الضحاك " لولا اجتبيتها " يقول لولا أخذتها أنت فجئت بها من السماء ومعنى قوله تعالى " وإذا لم تأتهم بآية " أي معجزة وخارق كقوله تعالى " إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين " يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم ألا تجهد نفسك في طلب الآيات من الله حتى تراها وتؤمن بها قال الله تعالى له " قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي " أي أنا لا أتقدم إليه تعالى في شئ وإنما أتبع ما أمرني به فامتثل ما يوحيه إلي فإن بعث آية قبلتها وإن منعها لم أسأله ابتداء إياها إلا أن يأذن لي في ذلك فإنه حكيم عليم ثم أرشدهم إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات وأبين الدلالات وأصدق الحجج والبينات فقال " هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ".
وإذ قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون (204) لما ذكر تعالى أن القرآن بصائر للناس وهدى ورحمة أمر تعالى بالانصات عند تلاوته إعظاما له واحتراما لا كما كان