هذا حال الأشقياء وصفاتهم وذكر ما لهم في الآخرة ومصيرهم إلى خلاف ما صار إليه المؤمنون كما أنهم اتصفوا بخلاف صفاتهم في الدنيا فأولئك كانوا يوفون بعهد الله ويصلون ما أمر الله به أن يوصل وهؤلاء " ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض " كما ثبت في الحديث " آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان " وفي رواية " وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر " ولهذا قال " أولئك لهم اللعنة " وهي الابعاد عن الرحمة " ولهم سوء الدار " وهي سوء العاقبة والمال " ومأواهم جهنم وبئس المهاد " وقال أبو العالية في قوله تعالى " والذين ينقضون عهد الله " الآية قال هي ست خصال في المنافقين إذا كان فيهم الظهرة على الناس أظهروا هذه الخصال إذا حدثوا كذبوا وإذا وعدوا أخلفوا وإذا ائتمنوا خانوا ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل وأفسدوا في الأرض وإذا كانت الظهرة عليهم أظهروا الثلاث الخصال: إذا حدثوا كذبوا وإذا وعدوا أخلفوا وإذا ائتمنوا خانوا.
الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع (26) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب (27) يذكر تعالى أنه هو الذي يوسع الرزق على من يشاء ويقتر على من يشاء لما له في ذلك من الحكمة والعدل وفرح هؤلاء الكفار بما أوتوا من الحياة الدنيا استدراجا لهم وإمهالا كما قال " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " ثم حقر الحياة الدنيا بالنسبة إلى ما ادخره تعالى لعباده المؤمنين في الدار الآخرة فقال " وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع " كما قال " قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا " وقال " بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى " وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن يحيى بن سعيد قالا: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن المستورد أخي بني فهر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم فلينظر بم ترجع " وأشار بالسبابة رواه مسلم في صحيحه. وفي الحديث الآخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجدي أسك ميت والأسك الصغير الاذنين فقال " والله للدنيا أهون على الله من هذا على أهله حين ألقوه ".
الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب (28) الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب (29) يخبر تعالى عن قيل المشركين " لولا " أي هلا " أنزل عليه آية من ربه " كقولهم " فليأتنا بآية كما أرسل الأولون " وقد تقدم الكلام على هذا غير مرة وإن الله قادر على إجابة ما سألوا وفي الحديث إن الله أوحى إلى رسوله لما سألوه أن يحول لهم الصفا ذهبا وأن يجري لهم ينبوعا وأن يزيح الجبال من حول مكة فيصير مكانها مروج وبساتين: إن شئت يا محمد أعطيتهم ذلك فإن كفروا أعذبهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة فقال " بل تفتح لهم باب التوبة والرحمة " ولهذا قال لرسوله " قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب " أي هو المضل والهادي سواء بعث الرسل بآية على وفق ما اقترحوا أو لم يجبهم إلى سؤالهم فان الهداية والاضلال ليس منوطا بذلك ولا عدمه كما قال " وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون " وقال " إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم " وقال " ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون " ولهذا قال " قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب " أي ويهدي إليه من أناب إلى الله ورجع إليه واستعان به وتضرع لديه " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله " أي تطيب وتركن إلى جانب الله