قياسه ودعواه أن النار أشرف من الطين أيضا فإن الطين من شأنه الرزانة والحلم والأناة والتثبت والطين محل النبات والنمو والزيادة والاصلاح والنار من شأنها الاحراق والطيش والسرعة ولهذا خان إبليس عنصره ونفع آدم عنصره بالرجوع والإنابة والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر الله والاعتراف وطلب التوبة والمغفرة وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم ". هكذا رواه مسلم وقال ابن مردويه حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود حدثنا نعيم بن حماد حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خلق الله الملائكة من نور العرش وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم ".
قلت لنعيم بن حماد أين سمعت هذا من عبد الرزاق؟ قال باليمن وفي بعض ألفاظ هذا الحديث في غير الصحيح " وخلقت الحور العين من الزعفران " وقال ابن جرير حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا محمد بن كثير عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن الحسن في قوله " خلقتني من نار وخلقته من طين ". قال قاس إبليس وهو أول من قاس إسناده صحيح وقال حدثني عمر بن مالك حدثنا يحيي بن سليم الطائفي عن هشام عن ابن سيرين قال أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقايس إسناد صحيح أيضا.
قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فأخرج إنك من الصاغرين (13) قال أنظرني إلى يوم يبعثون (14) قال إنك من المنظرين (15) يقول تعالى مخاطبا لإبليس بأمر قدري كوني " فاهبط منها " أي بسبب عصيانك لامري وخروجك عن طاعتي فما يكون لك أن تتكبر فيها قال كثير من المفسرين الضمير عائد إلى الجنة ويحتمل أن يكون عائدا إلى المنزلة التي هو فيها في الملكوت الاعلى " فأخرج إنك من الصاغرين " أي الذليلين الحقيرين معاملة له بنقيض قصده ومكافأة لمراده بضده فعند ذلك استدرك اللعين وسأل النظرة إلى يوم الدين قال " أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين " أجابه تعالى إلى ما سأل لما له في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة التي لا تخالف ولا تمانع ولا معقب لحكمه " وهو سريع الحساب ".
قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم (16) ثم لاتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (17) يخبر تعالى أنه لما أنظر إبليس " إلى يوم يبعثون " واستوثق إبليس بذلك أخذ في المعاندة والتمرد فقال " فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم " أي كما أغويتني قال ابن عباس كما أضللتني وقال غيره كما أهلكتني لأقعدن لعبادك الذين تخلقهم من ذرية هذا الذي أبعدتني بسببه على " صراطك المستقيم " أي طريق الحق وسبيل النجاة ولأضلنهم عنها لئلا يعبدوك ولا يوحدوك بسبب إضلالك إياي وقال بعض النحاة الباء هنا قسمية كأنه يقول فبأغوائك إياي لأقعدن لهم صراطك المستقيم. قال مجاهد صراطك المستقيم يعني الحق. وقال محمد بن سوقة عن عون بن عبد الله يعني طريق مكة قال ابن جرير الصحيح أن الصراط المستقيم أعم من ذلك. " قلت " لما روى الإمام أحمد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا أبو عقيل يعني الثقفي عبد الله بن عقيل حدثنا موسى بن المسيب أخبرني سالم بن أبي الجعد عن سبرة بن أبي الفاكه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الشيطان قعد لابن آدم بطرقه فقعد له بطريق الاسلام فقال أتسلم وتذر دينك ودين آبائك قال فعصاه وأسلم " قال " قعد له بطريق الهجرة فقال أتهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول فعصاه وهاجر ثم قعد له بطريق