حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليون أكلمت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فإن الله غفور رحيم (3) يخبر تعالى عباده خبرا متضمنا النهي عن تعاطي هذه المحرمات من الميتة وهي ما مات من الحيوان حتف أنفه من غير ذكاة ولا اصطياد وما ذاك إلا لما فيها من المضرة لما فيها من الدم المحتقن فهي ضارة للدين وللبدن فلهذا حرمها الله عز وجل ويستثنى من الميتة السمك فإنه حلال سواء مات بتذكية أو غيرها لما رواه مالك في موطئه والشافعي وأحمد في مسنديهما وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في سننهم وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ماء البحر فقال: " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " وهكذا الجراد لما سيأتي من الحديث وقوله " الدم " يعني به المسفوح كقوله " أو دما مسفوحا " قاله ابن عباس وسعيد بن جبير قال ابن أبي حاتم: حدثنا كثير بن شهاب المذحجي حدثنا محمد بن سعيد بن سابق حدثنا عمرو يعني ابن قيس عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن الطحال فقال: كلوه فقالوا: إنه دم فقال: إنما حرم عليكم الدم المسفوح. وكذا رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة قالت إنما نهى عن الدم السافح وقد قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أحل لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالسمك والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال ".
وكذا رواه أحمد بن حنبل وابن ماجة والدارقطني والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف قال الحافظ البيهقي: ورواه إسماعيل بن أبي إدريس عن أسامة وعبد الله وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن ابن عمر مرفوعا قلت وثلاثتهم كلهم ضعفاء ولكن بعضهم أصلح من بعض وقد رواه سليمان بن بلال أحد الاثبات عن زيد بن أسلم عن ابن عمر فوقفه بعضهم عليه قال الحافظ أبو زرعة الرازي: وهو أصح وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسن حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا بشير بن شريح عن أبي غالب عن أبي أمامة وهو صدى بن عجلان قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله وأعرض عليهم شرائع الاسلام فأتيتهم فبينما نحن كذلك إذ جاءوا بقصعة من دم فاجتمعوا عليها يأكلونها فقال هلم يا صدى فكل قال: قلت ويحكم إنما أتيتكم من عند من يحرم هذا عليكم فأقبلوا عليه قالوا وما ذاك فتلوت عليهم هذه الآية " حرمت عليكم الميتة والدم " الآية. ورواه الحافظ أبن بكر بن مردويه من حديث ابن أبي الشوارب بإسناد مثله وزاد بعده هذا السياق قال: فجعلت أدعوهم إلى الاسلام ويأبون علي فقلت ويحكم أسقوني شربة من ماء فإني شديد العطش قال وعلي عباءتي فقالوا: لا ولكن ندعك حتى تموت عطشا قال فاغتممت وضربت برأسي في العباء ونمت على الرمضاء في حر شديد قال فأتاني آت في منامي بقدح من زجاج لم ير الناس أحسن منه وفيه شراب لم ير الناس ألذ منه فأمكنني منه فشربته فلما فرغت من شرابي استيقظت فلا والله ما عطشت ولا عريت بعد تيك الشربة ورواه الحاكم في مستدركه عن علي ابن حماد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني عبد الله بن سلمة بن عياش العامري حدثنا صدقة بن هرم عن أبي غالب عن أبي أمامة وذكر نحوه وزاد بعد قوله بعد تيك الشربة فسمعتهم يقولون أتاكم رجل من سراة قومكم فلم تمجعوه بمذقة فأتوني بمذقة فقلت لا حاجة لي فيها إن الله أطعمني وسقاني وأريتهم بطني فأسلموا عن آخرهم وما أحسن ما أنشد الأعشى في قصيدته التي ذكرها ابن إسحاق.