قدير " وقوله " حتى إذا أقلت سحابا ثقالا " أي حملت الرياح سحابا ثقالا أي من كثرة ما فيها من الماء تكون ثقيلة قريبة من الأرض مدلهمة كما قال زيد بن عمرو بن نفيل رحمه الله.
وأسلمت وجهي لمن أسلمت * له المزن تحمل عذبا زلالا وأسلمت وجهي لمن أسلمت * له الأرض تحمل صخرا ثقالا وقوله " سقناه لبلد ميت " أي إلى أرض ميتة مجدبة لا نبات فيها كقوله " وآية لهم الأرض الميتة أحييناها " الآية.
ولهذا قال " فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى " أي كما أحيينا هذه الأرض بعد موتها كذلك نحيي الأجساد بعد صيرورتها رميما يوم القيامة ينزل الله سبحانه وتعالى ماء من السماء فتمطر الأرض أربعين يوما فتنبت منه الأجساد في قبورها كما ينبت الحب في الأرض وهذا المعنى كثير في القرآن يضرب الله مثلا ليوم القيامة بإحياء الأرض بعد موتها ولهذا قال " لعلكم تذكرون " وقوله " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه " أي والأرض الطيبة يخرج نباتها سريعا حسنا كقوله " وأنبتها نباتا حسنا " " والذي خبث لا يخرج إلا نكدا " قال مجاهد وغيره كالسباخ ونحوها وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر وقال البخاري حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حماد بن أسامة عن ابن يزيد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثل ما بعثني الله به من العلم والهدى كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكانت منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلا فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ". رواه مسلم والنسائي من طرق عن أبي أسامة حماد بن أسامة به.
لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم (59) قال الملا من قومه إنا لنراك في ضلال مبين (60) قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين (61) أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون (62) لما ذكر تعالى قصة آدم في أول السورة وما يتعلق بذلك وما يتصل به وفرغ منه شرع تعالى في ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام الأول فالأول فابتدأ بذكر نوح عليه السلام فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم عليه السلام وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس النبي عليه السلام فيما يزعمون وهو أول من خط بالقلم ابن برد بن مهليل بن قنين بن يانش بن شيث بن آدم عليه السلام. هكذا نسبه محمد بن إسحاق وغير واحد من أئمة النسب قال محمد بن إسحاق ولم يلق نبي من قومه من الأذى مثل نوح إلا نبي قتل. وقال يزيد الرقاشي إنما سمي نوحا لكثرة ما ناح على نفسه وقد كان بين آدم إلى زمن نوح عليهما السلام عشرة قرون كلهم على الاسلام قال عبد الله بن عباس وغير واحد من علماء التفسير وكان أول ما عبدت الأصنام أن قوما صالحين ماتوا فبنى قومهم عليهم مساجد وصوروا صور أولئك فيها ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم فلما طال الزمان جعلوا أجسادا على تلك الصور فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا فلما تفاقم الامر بعث الله سبحانه وتعالى وله الحمد والمنة رسوله نوحا فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له فقال " يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " أي من عذاب يوم القيامة إذا لقيتم الله وأنتم مشركون به " قال الملا من قومه " أي الجمهور والسادة والقادة والكبراء منهم " إنا لنراك في ضلال مبين " أي في دعوتك إيانا إلى ترك عبادة هذه الأصنام التي وجدنا آباءنا عليها. وهكذا حال