في فمه حتى يضربه الملك بمطراق من حديد كما قال تعالى " ولهم مقامع من حديد " " ولا يكاد يسيغه " أي يزدرده لسوء طعمه ولونه وريحه وحرارته أو برده الذي لا يستطاع " ويأتيه الموت من كل مكان " أي يألم له جميع بدنه وجوارحه وأعضائه قال عمرو بن ميمون بن مهران من كل عظم وعصب وعرق وقال عكرمة حتى من أطراف شعره وقال إبراهيم التيمي من موضع كل شعرة أي من جسده حتى من أطراف شعره وقال ابن جرير " ويأتيه الموت من كل مكان " أي من أمامه وخلفه وفي رواية وعن يمينه وشماله ومن فوقه ومن تحت أرجله ومن سائر أعضاء جسده وقال الضحاك عن ابن عباس " ويأتيه الموت من كل مكان " قال أنواع العذاب الذي يعذبه الله بها يوم القيامة في نار جهنم ليس منها نوع إلا يأتيه الموت منه لو كان يموت ولكن لا يموت لان الله تعالى قال " لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها " ومعنى كلام ابن عباس رضي الله عنه: أنه ما من نوع من هذه الأنواع من العذاب إلا إذا ورد عليه اقتضى أن يموت منه لو كان يموت ولكنه لا يموت ليخلد في دوام العذاب والنكال ولهذا قال تعالى " ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت " وقوله " ومن ورائه عذاب غليظ " أي وله من بعد هذه الحال عذاب آخر غليظ أي مؤلم صعب شديد أغلظ من الذي قبله وأدهى وأمر وهذا كما قال تعالى عن شجرة الزقوم " إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم * طلعها كأنه رؤوس الشياطين * فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون * ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم * ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم " فأخبر أنهم تارة يكونون في أكل زقوم وتارة في شرب حميم وتارة يردون إلى جحيم عياذا بالله من ذلك وهكذا قال تعالى " هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن " وقال تعالى " إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم * خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم * إن هذا ما كنتم به تمترون " وقال " وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم " وقال تعالى " هذا وإن للطاغين لشر مآب * جهنم يصلونها فبئس المهاد * هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج " إلى غير ذلك من الآيات الدالة على تنوع العذاب عليهم وتكراره وأنواعه وأشكاله مما لا يحصيه إلا الله عز وجل جزاء وفاقا " وما ربك بظلام للعبيد ".
مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شئ ذلك هو الضلال البعيد (18) هذا مثل ضربه الله تعالى لأعمال الكفار الذين عبدوا معه غيره وكذبوا رسله وبنوا أعمالهم على غير أساس صحيح فانهارت وعدموها أحوج ما كانوا إليها فقال تعالى " مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم " أي مثل أعمالهم يوم القيامة إذا طلبوا ثوابها من الله تعالى لانهم كانوا يحسبون أنهم كانوا على شئ فلم يجدوا شيئا ولا ألفوا حاصلا إلا كما يتحصل من الرماد إذا اشتدت به الريح العاصفة " في يوم عاصف " أي ذي ريح شديدة عاصفة قوية فلم يقدروا على شئ من أعمالهم التي كسبوا في الدنيا إلا كما يقدرون على جمع هذا الرماد في هذا اليوم كقوله تعالى " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " وقوله تعالى " مثل ما ينفقون في هذا الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون " وقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين " وقوله في هذه الآية " ذلك هو الضلال البعيد " أي سعيهم وعملهم على غير أساس ولا استقامة حتى فقدوا ثوابهم أحوج ما كانوا إليه " ذلك هو الضلال البعيد ".