أنه عليه السلام قال لهم " بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس فبئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم ". وهكذا صالح عليه السلام قال لقومه " لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم " أي فلم تنتفعوا بذلك لأنكم لا تحبون الحق ولا تتبعون ناصحا ولهذا قال " ولكن لا تحبون الناصحين " وقد ذكر بعض المفسرين أن كل نبي هلكت أمته كان يذهب فيقيم في الحرم حرم مكة والله أعلم وقد قال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي عسفان حين حج قال " يا أبا بكر أي واد هذا؟ " قال هذا وادي عسفان قال " لقد مر به هود وصالح عليهما السلام على بكرات خطمهن الليف أزرهم العباء وأرديتهم النمار يلبون يحجون البيت العتيق " هذا حديث غريب من هذا الوجه لم يخرجه أحد منهم.
ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين (80) إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون (81) يقول تعالى " و " لقد أرسلنا " لوطا " أو تقديره " و " أذكر " لوطا إذ قال لقومه " ولوط هو ابن هارون بن آزر وهو ابن أخي إبراهيم الخليل عليهما السلام. وكان قد آمن مع إبراهيم عليه السلام وهاجر معه إلى أرض الشام فبعثه الله إلى أهل سدوم وما حولها من القرى يدعوهم إلى الله عز وجل ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم وهو إتيان الذكور دون الإناث وهذا شئ لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ولا يخطر ببالهم حتى صنع ذلك أهل سدوم عليهم لعائن الله قال عمرو بن دينار في قوله " ما سبقكم بها من أحد من العالمين " قال ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط وقال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي باني جامع دمشق لولا أن الله عز وجل قص علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا ولهذا قال لهم لوط عليه السلام " أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين * إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء " أي عدلتم عن النساء وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال وهذا إسراف منكم وجهل لأنه وضع الشئ في غير محله ولهذا قال لهم في الآية الأخرى قال " هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين " فأرشدهم إلى نسائهم فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن " قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد " أي لقد علمت أنه لا أرب لنا في النساء ولا إرادة وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى بعضهم ببعض وكذلك نساؤهم كن قد استغنين بعضهن ببعض أيضا.
وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون (82) أي ما أجابوا لوطا لا أن هموا بإخراجه ونفيه ومن معه من بين أظهرهم فأخرجه الله تعالى سالما وأهلكهم في أرضهم صاغرين مهانين وقوله تعالى " إنهم أناس يتطهرون " قال قتادة: عابوهم بغير عيب. وقال مجاهد: إنهم أناس يتطهرون من أدبار الرجال وأدبار النساء. وروى مثله عن ابن عباس أيضا.
فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين (83) وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين (84) يقول تعالى فأنجينا لوطا وأهله ولم يؤمن به أحد منهم سوى أهل بيته فقط كما قال تعالى " فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين * فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين " إلا امرأته فإنها لم تؤمن به بل كانت على دين قومها