يدفع به عنهم العذاب قالوا " نحن أعلم بمن فيها " الآية وقوله " إن إبراهيم لحليم أواه منيب " مدح لإبراهيم بهذه الصفات الجميلة وقد تقدم تفسيرها وقوله تعالى " يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك " الآية أي أنه قد نفذ فيهم القضاء وحقت عليهم الكلمة بالهلاك وحلول البأس الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
ولما جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب (77) وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد (78) قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد (79) يخبر تعالى عن قدوم رسله من الملائكة بعد ما أعلموا إبراهيم بهلاكهم وفارقوه وأخبروه بإهلاك الله قوم لوط هذه الليلة فانطلقوا من عنده فأتوا لوطا عليه السلام وهو على ما قيل في أرض له وقيل في منزله ووردوا عليه وهم في أجمل صورة تكون على هيئة شبان حسان الوجوه ابتلاء من الله وله الحكمة والحجة البالغة فساءه شأنهم وضاقت نفسه بسببهم وخشي إن لم يضفهم أن يضيفهم أحد من قومه فينالهم بسوء " وقال هذا يوم عصيب " قال ابن عباس وغير واحد: شديد بلاؤه وذلك أنه علم أنه سيدافع عنهم ويشق عليه ذلك وذكر قتادة أنهم أتوه وهو في أرض له فتضيفوه فاستحيا منهم فانطلق أمامهم وقال لهم في أثناء الطريق كالمعرض لهم بأن ينصرفوا عنه أنه والله يا هؤلاء ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء ثم مشى قليلا ثم أعاد ذلك عليهم حتى كرره أربع مرات قال قتادة: وقد كانوا أمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك. وقال السدي: خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط فبلغوا نهر سدوم نصف النهار ولقوا بنت لوط تستقي فقالوا يا جارية هل من منزل؟ فقالت مكانكم حتى آتيكم وفرقت عليهم من قومها فأتت أباها فقالت: يا أبتاه أدرك فتيانا على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم أحسن منهم لا يأخذهم قومك وكان قومه نهوه أن يضيف رجلا فقالوا خل عنا فلنضيف الرجال فجاء بهم فلم يعلم بهم أحد إلا أهل بيته فخرجت امرأته فأخبرت قومها فجاءوا يهرعون إليه، وقوله " يهرعون إليه " أي يسرعون ويهرولون من فرحهم بذلك وقوله " ومن قبل كانوا يعملون السيئات " أي لم يزل هذا من سجيتهم حتى أخذوا وهم على ذلك الحال وقوله " قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم " يرشدهم إلى نسائهم فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم في الدنيا والآخرة كما قال لهم في الآية الأخرى " أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون " وقوله في الآية الأخرى " قالوا أو لم ننهك عن العالمين " أي ألم ننهك عن ضيافة الرجال " قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين * لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون " وقال في هذه الآية الكريمة " هؤلاء بناتي هن أطهر لكم " قال مجاهد: لم يكن بناته لكن كن من أمته وكل نبي أبو أمته. وكذا روي عن قتادة وغير واحد وقال ابن جريج:
أمرهم أن يتزوجوا النساء ولم يعرض عليهم سفاحا وقال سعيد بن جبير: يعني نساءهم هن بناته وهو أب لهم ويقال في بعض القراءات " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم " وهو أب لهم وكذا روي عن الربيع بن أنس وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم وقوله " فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي " أي اقبلوا ما آمركم به من الاقتصار على نسائكم " أليس منكم رجل رشيد " أي فيه خير يقبل ما آمره به ويترك ما أنهاه عنه؟ " قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق " أي إنك لتعلم أن نساءك لا أرب لنا فيهن ولا نشتهيهن " وإنك لتعلم ما نريد " أي ليس لنا غرض إلا في الذكور وأنت تعلم ذلك فأي حاجة في تكرار القول علينا في ذلك؟ قال السدي " وإنك لتعلم ما نريد " إنما نريد الرجال.