يشعرون ثم يوم القيامة يخزيهم " إي يظهر فضائحهم وما كانت تجنه ضمائرهم فجعله علانية كقوله تعالى " يوم تبلى السرائر " أي تظهر وتشتهر كما في الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غدرته فيقال هذه غدرة فلان بن فلان " وهكذا هؤلاء يظهر للناس ما كانوا يسرونه من المكر ويخزيهم الله على رؤوس الخلائق ويقول لهم الرب تبارك وتعالى مقرعا لهم وموبخا " أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم " تحاربون وتعادون في سبيلهم أين هم عن نصركم وخلاصكم ههنا؟ " هل ينصرونكم أو ينتصرون " " فما له من قوة ولا ناصر " فإذا توجهت عليهم الحجة وقامت عليهم الدلالة وحقت عليهم الكلمة وسكتوا عن الاعتذار حين لا فرار " قال الذين أوتوا العلم " وهم السادة في الدنيا والآخرة والمخبرون عن الحق في الدنيا والآخرة فيقولون حينئذ " إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين " أي الفضيحة والعذاب محيط اليوم بمن كفر بالله وأشرك به ما لا يضره وما لا ينفعه.
الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون (28) فأدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين (29) يخبر تعالى عن حال المشركين الظالمي أنفسهم عند احتضارهم ومجئ الملائكة إليهم لقبض أرواحهم الخبيثة " فألقوا السلم " أي أظهروا السمع والطاعة والانقياد قائلين " ما كنا نعمل من سوء " كما يقولون يوم المعاد " والله ربنا ما كنا مشركين " " يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم " قال الله مكذبا لهم في قيلهم ذلك " بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون * فأدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين " أي بئس المقيل والمقام والمكان من دار هوان لمن كان متكبرا عن آيات الله واتباع رسله وهم يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم وينال أجسادهم في قبورها من حرها وسمومها فإذا كان يوم القيامة سلكت أرواحهم في أجسادهم وخلدت في نار جهنم " لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها " كما قال الله تعالى " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ".
* وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين (30) جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين (31) الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون (32) هذا خبر عن السعداء بخلاف ما أخبر به عن الأشقياء فإن أولئك قيل لهم " ماذا أنزل ربكم " قالوا معرضين عن الجواب لم ينزل شيئا إنما هذا أساطير الأولين وهؤلاء قالوا خيرا أي أنزل خيرا أي رحمة وبركة لمن اتبعه وآمن به ثم أخبر عما وعد الله عباده فيما أنزله على رسله فقال " للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة " الآية كقوله تعالى " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " أي من أحسن عمله في الدنيا أحسن الله إليه عمله في الدنيا والآخرة ثم أخبر بأن دار الآخرة خير أي من الحياة الدنيا والجزاء فيها أتم من الجزاء في الدنيا كقوله " وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير " الآية وقال تعالى " وما عند الله خير للأبرار " وقال تعالى " والآخرة خير وأبقى " وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم " وللآخرة خير لك من الأولى " ثم وصف الدار الآخرة فقال " ولنعم دار المتقين " وقوله " جنات عدن " بدل من دار المتقين أي لهم في الآخرة جنات عدن أي مقام يدخلونها " تجري من تحتها الأنهار " أي بين أشجارها وقصورها " لهم فيها ما يشاءون " كقوله تعالى " وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون " وفي الحديث " إن