لعابديهم " ولا أنفسهم ينصرون " يعني ولا لأنفسهم ينصرون ممن أرادهم بسوء كما كان الخليل عليه الصلاة والسلام يكسر أصنام قومه ويهينها غاية الإهانة كما أخبر تعالى عنه في قوله " فراغ عليهم ضربا باليمين " وقال تعالى " فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون " وكما كان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتخذانها حطبا للأرامل ليعتبر قومهما بذلك ويرتؤا لأنفسهم فكان لعمرو بن الجموح وكان سيدا في قومه صنم يعبده ويطيبه فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه ويلطخانه بالعذرة فيجئ عمرو بن الجموح فيرى ما صنع به فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفا ويقول له انتصر ثم يعودان لمثل ذلك ويعود إلى صنيعه أيضا حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت ودلياه في حبل في بئر هناك فلما جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك نظر فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل وقال:
تالله لو كنت إلها مستدن * لم تك والكلب جميعا في قرن ثم أسلم فحسن إسلامه وقتل يوم أحد شهيدا رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنة الفردوس مأواه وقوله " وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم " الآية يعني أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها وسواء لديها من دعاها ومن دحاها كما قال إبراهيم يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ثم ذكر تعالى أنها عبيد مثل عابديها أي مخلوقات مثلهم بل الاناس أكمل منها لأنها تسمع وتبصر وتبطش وتلك لا تفعل شيئا من ذلك وقوله " قل أدعوا شركاءكم " الآية أي استنصروا بها علي فلا تؤخروني طرفة عين واجهدوا جهدكم " إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين " أي الله حسبي وكافيني وهو نصيري وعليه متكلي وإليه ألجأ وهو وليي في الدنيا والآخرة وهو ولي كل صالح بعدي وهذا كما قال هود عليه السلام لما قال له قومه " إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني برئ مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم " وكقول الخليل " أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين " الآيات وكقوله لأبيه وقومه " إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون " وقوله " والذين تدعون من دونه " إلى آخر الآية مؤكد لما تقدم إلا أنه بصيغة الخطاب وذاك بصيغة الغيبة ولهذا قال " لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون " وقوله " وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون " كقوله تعالى " إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم " الآية وقوله " وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون " إنما قال " ينظرون إليك " أي يقابلونك بعيون مصورة كأنها ناظرة وهى جماد ولهذا عاملهم معاملة من يعقل لأنها على صور مصورة كالانسان وتراهم ينظرون إليك فعبر عنها بضمير من يعقل وقال السدي: المراد بهذا المشركون وروي عن مجاهد نحوه والأول أولى وهو اختيار ابن جرير وقاله قتادة.
خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (199) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم (200) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله " خذ العفو " يعني خذ ما عفي لك من أموالهم وما أتوك به من شئ فخذه وكان هذا قبل أن تنزل براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها وما انتهت إليه الصدقات قاله السدي وقال الضحاك عن ابن عباس " خذ العفو " أنفق الفضل وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس " خذ العفو " قال الفضل وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله " خذ العفو " أمره الله بالعفو والصفح عن المشركين عشر سنين ثم أمره بالغلظة عليهم واختار هذا القول ابن جرير وقال غير واحد عن مجاهد في قوله تعالى " خذ