تخشوهم واخشون فأنا أهل أن يخشى العباد من سطوتي وعقوبتي فبيدي الامر وما شئت كان وما لم أشأ لم يكن ثم قال تعالى عزيمة على المؤمنين وبيانا لحكمته فيما شرع لهم من الجهاد مع قدرته على إهلاك الأعداء بأمر من عنده " قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين " وهذا عام في المؤمنين كلهم وقال مجاهد وعكرمة والسدي في هذه الآية " ويشف صدور قوم مؤمنين " يعني خزاعة وأعاد الضمير في قوله " ويذهب غيظ قلوبهم " عليهم أيضا. وقد ذكر ابن عساكر في ترجمة مؤذن لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عن مسلم بن يسار عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غضبت أخذ بأنفها وقال " يا عويش قولي اللهم رب النبي محمد اغفر ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات الفتن " ساقه من طريق أبي أحمد الحاكم عن الباغندي عن هشام بن عمار حدثنا عبد الرحمن بن أبي الجوزاء عنه " ويتوب الله على من يشاء " أي من عباده " والله عليم " أي بما يصلح عباده " حكيم " في أفعاله وأقواله الكونية والشرعية فيفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو العادل الحاكم الذي لا يجور أبدا ولا يضيع مثقال ذرة من خير وشر بل يجازي عليه في الدنيا والآخرة.
أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون (16) يقول تعالى: " أم حسبتم " أيها المؤمنين أن نترككم مهملين لا نختبركم بأمور يظهر فيها أهل العزم الصادق من الكاذب ولهذا قال " ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة " أي بطانة ودخيلة بل هم في الظاهر والباطن على النصح لله ولرسوله فاكتفى بأحد القسمين عن الآخر كما قال الشاعر:
وما أدري إذا يممت أرضا * أريد الخير أيهما يليني وقد قال الله تعالى في الآية الأخرى " ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون؟ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " وقال تعالى " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة؟ الآية وقال تعالى " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه " الآية والحاصل أنه تعالى لما شرع لعباده الجهاد بين أن له فيه حكمة وهو اختبار عبيده من يطيعه ممن يعصيه وهو تعالى العالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون فيعلم الشئ قبل كونه ومع كونه على ما هو عليه لا إله إلا هو ولا رب سواه ولا راد لما قدره وأمضاه.
ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون (17) إنما يعمر مساجد الله من أمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين (18) يقول تعالى: ما ينبغي للمشركين بالله أن يعمروا مساجد الله التي بنيت على اسمه وحده لا شريك له ومن قرأ مسجد الله فأراد به المسجد الحرام أشرف المساجد في الأرض الذي بني من أول يوم على عبادة الله وحده لا شريك له وأسسه خليل الرحمن هذا وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر أي بحالهم. وقال لهم كما قال السدي: لو سألت النصراني ما دينك؟ لقال نصراني ولو سألت اليهودي ما دينك لقال يهودي والصابئي لقال صابئ والمشرك لقال مشرك " أولئك حبطت أعمالهم " أي بشركهم " وفي النار هم خالدون " وقال تعالى