الفجار إنما يرون الأبرار في ضلالة كقوله " وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون " " وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم " إلى غير ذلك من الآيات " قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين " أي ما أنا ضال ولكن أنا رسول من رب العالمين رب كل شئ ومليكه " أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون " وهذا شأن الرسول أن يكون مبلغا فصيحا ناصحا عالما بالله لا يدركهم أحد من خلق الله في هذه الصفات كما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم عرفة وهم أوفر ما كانوا وأكثر جمعا " أيها الناس إنكم مسؤولون عني فما أنتم قائلون؟ " قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكسها عليهم ويقول " اللهم اشهد اللهم اشهد ".
أوعجبتم أو جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون (63) فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين (64) يقول تعالى إخبارا عن نوح أنه قال لقومه " أو عجبتم " الآية. أي لا تعجبوا من هذا فإن هذا ليس يعجب أن يوحي الله إلى رجل منكم رحمة بكم ولطفا وإحسانا إليكم لينذركم ولتتقوا نقمة الله ولا تشركوا به " ولعلكم ترحمون " قال الله تعالى " فكذبوه " أي تمادوا على تكذيبه ومخالفته وما آمن معه منهم إلا قليل كما نص عليه في موضع آخر " فأنجيناه والذين معه في الفلك " أي السفينة كما قال: فأنجيناه وأصحاب السفينة " وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا " كما قال " مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا " وقوله " إنهم كانوا قوما عمين " أي عن الحق لا يبصرونه ولا يهتدون له فبين تعالى في هذه القصة أنه انتقم لأوليائه من أعدائه وأنجى رسوله والمؤمنين وأهلك أعداءهم من الكافرين كقوله " إنا لننصر رسلنا " الآية. وهذه سنة الله في عباده في الدنيا والآخرة أن العاقبة فيها للمتقين والظفر والغلب لهم كما أهلك قوم نوح بالغرق ونجى نوحا وأصحابه المؤمنين وقال مالك عن زيد بن أسلم كان قوم نوح قد ضاق بهم السهل والجبل وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ما عذب الله قوم نوح إلا والأرض ملاى بهم وليس بقعة من الأرض إلا ولها مالك وحائز وقال ابن وهب بلغني عن ابن عباس إنه نجا مع نوح في السفينة ثمانون رجلا أحدهم جرهم وكان لسانه عربيا. رواه ابن أبي حاتم وروى متصلا من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما.
* وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون (65) قال الملا الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين (66) قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين (67) أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين (68) أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (69) يقول تعالى وكما أرسلنا إلى قوم نوح نوحا كذلك أرسلنا إلى عاد أخاهم هودا قال محمد بن إسحاق هم ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح. " قلت " هؤلاء هم عاد الأولى الذين ذكرهم الله وهم أولاد عاد بن إرم الذين كانوا يأوون إلى العمد في البر كما قال تعالى " ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في