مصدر " نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا " أي أنقاضا ويحتمل أن يكون بدلا عن خبر كان أي لا تكونوا أنكاثا جمع نكث من ناكث ولهذا قال بعده " تتخذون أيمانكم دخلا بينكم " أي خديعة ومكرا " أن تكون أمة هي أربى من أمة " أي تحلفون للناس إذا كانوا أكثر منكم ليطمئنوا إليكم فإذا أمكنكم الغدر بهم غدرتم فنهى الله عن ذلك لينبه بالأدنى على الاعلى إذا كان قد نهى عن الغدر والحالة هذه فلان ينهى عنه مع التمكن والقدرة بطريق الأولى. وقد قدمنا ولله الحمد في سورة الأنفال قصة معاوية لما كان بينه وبين ملك الروم أمد فسار معاوية إليهم في آخر الاجل حتى إذا انقضى وهو قريب من بلادهم أغار عليهم وهم غارون لا يشعرون فقال له عمرو بن عتبة الله أكبر يا معاوية وفاء لا غدر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من كان بينه وبين قوم أجل فلا يحلن عقده حتى ينقضي أمدها " فرجع معاوية رضي الله عنه بالجيش قال ابن عباس " أن تكون أمة هي أربى من أمة " أي أكثر وقال مجاهد كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون أولئك الذين هم أكثر وأعز فنهوا عن ذلك وقال الضحاك وقتادة وابن زيد نحوه وقوله " إنما يبلوكم الله به " قال سعيد بن جبير يعني بالكثرة رواه ابن أبي حاتم وقال ابن جرير أي بأمره إياكم بالوفاء بالعهد " وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون " فيجازي كل عامل بعمله من خير وشر.
ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدى من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون (93) ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم (94) ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله خير لكم إن كنتم تعلمون (95) ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (96) يقول الله تعالى " ولو شاء الله لجعلكم " أيها الناس " أمة واحدة " كقوله تعالى " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا " أي لوفق بينكم ولما جعل اختلافا ولا تباغض ولا شحناء " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم " وهكذا قال ههنا " ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء " ثم يسألكم يوم القيامة عن جميع أعمالكم فيجازيكم عليها على الفتيل والنقير والقطمير ثم حذر تعالى عباده عن اتخاذ الايمان دخلا أي خديعة ومكرا لئلا تزل قدم بعد ثبوتها مثل لمن كان على الاستقامة فحاد عنها وزل عن طريق الهدى بسبب الايمان الحانثة المشتملة على الصد عن سبيل الله لان الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به لم يبق له وثوق بالدين فانصد بسببه عن الدخول في الاسلام ولهذا قال " وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم " ثم قال " ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا " أي لا تعتاضوا عن الايمان بالله عرض الحياة الدنيا وزينتها فإنها قليلة لو حيزت لابن آدم الدنيا بحذافيرها لكان ما عند الله هو خير له، أي جزاء الله وثوابه خير لمن رجاه وآمن به وطلبه وحفظ عهده رجاء موعوده ولهذا قال " إن كنتم تعلمون * ما عندكم ينفد " أي يفرغ وينقضي فإنه إلى أجل معدود محصور مقدر متناه " وما عند الله باق " أي وثوابه لكم في الجنة باق لا انقطاع ولا نفاد له فإنه دائم لا يحول ولا يزول " ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " قسم من الرب تعالى مؤكد باللام أنه يجازي الصابرين بأحسن أعمالهم أي ويتجاوز عن سيئها.
من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (97) هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من ذكر أو أنثى من بني