التراب " فناولته قال فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا قال " أين المهاجرون والأنصار؟ " قلت: هم هناك قال " اهتف بهم " فهتفت فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب وولى المشركون أدبارهم ورواه الإمام أحمد في مسنده عن عفان به نحوه وقال الوليد بن مسلم: حدثني عبد الله بن المبارك عن أبي بكر الهزلي عن عكرمة مولى ابن عباس عن شيبة بن عثمان قال: لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قد عري ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما فقلت اليوم أدرك ثأري منه قال فذهبت لأجيئه عن يمينه فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائما عليه درع بيضاء كأنها فضة يكشف عنها العجاج فقلت: عمه ولن يخذله قال فجئته عن يساره فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب فقلت: ابن عمه ولن يخذله فجئته من خلفه فلم يبق إلا أن أسوره سورة بالسيف إذ رفع لي شواظ من نار بيني وبينه كأنه برق فخفت أن يخمشني فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " يا شيبة يا شيبة ادن مني اللهم أذهب عنه الشيطان " قال: فرفعت إليه بصري ولهو أحب إلي من سمعي وبصري فقال " يا شيبة قاتل الكفار " رواه البيهقي من حديث الوليد فذكره ثم روي من حديث أيوب بن جابر عن صدقة بن سعيد عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين والله ما أخرجني إسلام ولا معرفة به ولكنني أبيت أن تظهر هوازن على قريش فقلت وأنا واقف معه: يا رسول الله إني أرى خيلا بلقاء فقال " يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر " فضرب بيده على صدري ثم قال " اللهم اهد شيبة " ثم ضربها الثانية ثم قال " اللهم اهد شيبة " ثم ضربها الثالثة ثم قال " اللهم اهد شيبة " قال فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب إلي منه وذكر تمام الحديث في التقاء الناس وانهزام المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هزم الله تعالى المشركين قال محمد بن إسحاق:
حدثني أبي إسحاق بن يسار عمن حدثه عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين والناس يقتتلون إذ نظرت إلى مثل البجاد الأسود يهوي من السماء حتى وقع بيننا وبين القوم فإذا نمل منثور قد ملا الوادي فلم يكن إلا هزيمة قوم فما كنا نشك أنها الملائكة وقال سعيد بن السائب بن يسار عن أبيه قال: سمعت يزيد بن عامر السوائي وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم بعد فكنا نسأله عن الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين يوم حنين فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطست فيطن فيقول كنا نجد في أجوافنا مثل هذا وقد تقدم له شاهد من حديث الفهري يزيد بن أسيد فالله أعلم وفي صحيح مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق أنبأنا معمر عن همام قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم " ولهذا قال تعالى " ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تراها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين " وقوله " ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم " قد تاب الله على بقية هوازن فأسلموا وقدموا عليه مسلمين ولحقوه وقد قارب مكة عند الجعرانة وذلك بعد الوقعة بقريب من عشرين يوما فعند ذلك خيرهم بين سبيهم وبين أموالهم فاختاروا سبيهم وكانوا ستة آلاف أسير ما بين صبي وامرأة فرده عليهم وقسم الأموال بين الغانمين ونفل أناسا من الطلقاء ليتألف قلوبهم على الاسلام فأعطاهم مائة من الإبل وكان من جملة من أعطى مائة مالك بن عوف النضري واستعمله على قومه كما كان فامتدحه بقصيدته التي يقول فيها:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله * في الناس كلهم بمثل محمد أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى * ومتى يشأ يخبرك عما في غد وإذا الكتيبة عردت أنيابها * بالسمهري وضرب كل مهند فكأنه ليث على أشباله * وسط المباءة خادر في مرصد يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم