ولم يظاهر على المسلمين أحدا أي يمالئ عليهم من سواهم فهذا الذي يوفى له بذمته وعهده إلى مدته. ولهذا حرض تعالى على الوفاء بذلك فقال " إن الله يحب المتقين " أي الموفين بعهدهم.
فإذا انسلخ الأشهر الحرام فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم (5) اختلف المفسرون في المراد بالأشهر الحرم ههنا ما هي فذهب ابن جرير إلى أنها المذكورة في قوله تعالى " منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم " الآية قاله أبو جعفر الباقر ولكن قال ابن جرير:
آخر الأشهر الحرم في حقهم المحرم وهذا الذي ذهب إليه حكاه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وإليه ذهب الضحاك أيضا وفيه نظر والذي يظهر من حيث السياق ما ذهب إليه ابن عباس في رواية العوفي عنه وبه قال مجاهد وعمرو بن شعيب ومحمد بن إسحاق وقتادة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن المراد بها أشهر التسيير الأربعة المنصوص عليها بقوله " فسيحوا في الأرض أربعة أشهر " ثم قال " فإذا انسلخ الأشهر الحرم " أي إذا انقضت الأشهر الأربعة التي حرمنا عليكم فيها قتالهم وأجلناهم فيها فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم لان عود العهد على مذكور أولى من مقدر ثم إن الأشهر الأربعة المحرمة سيأتي بيان حكمها في آية أخرى بعد في هذه السورة الكريمة وقوله " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " أي من الأرض وهذا عام والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم بقوله " ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم " وقوله " وخذوهم " أي وأسروهم إن شئتم قتلا وإن شئتم أسرا وقوله " واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد " أي لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم. بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع وتضطروهم إلى القتل أو الاسلام ولهذا قال " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم " ولهذا اعتمد الصديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الأفعال وهي الدخول في الاسلام والقيام بأداء واجباته ونبه بأعلاها على أدناها فإن أشرف أركان الاسلام بعد الشهادتين الصلاة التي هي حق الله عز وجل وبعدها أداء الزكاة التي هي نفع متعد إلى الفقراء والمحاويج وهي أشرف الافعال المتعلقة بالمخلوقين ولهذا كثيرا ما يقرن الله بين الصلاة والزكاة وقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " الحديث وقال أبو إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أمرتم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ومن لم يزك فلا صلاة له. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أبى الله أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة وقال يرحم الله أبا بكر ما كان أفقهه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن إسحاق أنبأنا عبد الله بن المبارك أنبأنا حميد الطويل عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم " ورواه البخاري في صحيحه وأهل السنن إلا ابن ماجة من حديث عبد الله بن المبارك به. وقال الإمام أبو جعفر بن جرير حدثنا عبد الاعلى بن واصل الأسدي حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من فارق الدنيا على الاخلاص لله وحده وعبادته لا يشرك به شيئا فارقها والله عنه راض " قال وقال أنس: هو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم قبل هرج الأحاديث واختلاف الأهواء وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما أنزل قال الله تعالى