الانسان كفورا " وقال ههنا " دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه " أي هذه الحال " لنكونن من الشاكرين " أي لا نشرك بك أحدا ولنفردنك بالعبادة هناك كما أفردناك بالدعاء ههنا قال تعالى " فلما أنجاهم " أي من تلك الورطة " إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق " أي كأن لم يكن من ذلك شئ " كأن لم يدعنا إلى ضر مسه " ثم قال تعالى " يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم " أي إنما يذوق وبال هذا البغي أنتم أنفسكم ولا تضرون به أحدا غيركم كما جاء في الحديث " ما من ذنب أجدر من أن يجعل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر الله لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم " وقوله " متاع الحياة الدنيا " أي إنما لكم متاع في الحياة الدنيا الدنيئة الحقيرة " ثم إلينا مرجعكم " أي مصيركم ومآلكم " فننبئكم " أي فنخبركم بجميع أعمالكم ونوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والانعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون (24) والله يدعوا إلى دار السلام ويهدى من يشاء إلى صراط مستقيم (25) ضرب تبارك وتعالى مثلا لزهرة الحياة الدنيا وزينتها وسرعة انقضائها وزوالها بالنبات الذي أخرجه الله من الأرض بماء أنزل من السماء مما يأكل الناس من زروع وثمار على اختلاف أنواعها وأصنافها وما تأكل الانعام من أب وقضب وغير ذلك " حتى إذا أخذت الأرض زخرفها " أي زينتها الفانية " وازينت " أي حسنت بما خرج في رباها من زهور نضرة مختلفة الاشكال والألوان " وظن أهلها " الذين زرعوها وغرسوها " أنهم قادرون عليها " أي على جذاذها وحصادها فبينما هم كذلك إذ جاءتها صاعقة أو ريح شديدة باردة فأيبست أوراقها وأتلفت ثمارها ولهذا قال تعالى " أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا " أي يابسا بعد الخضرة والنضارة " كأن لم تغن بالأمس " أي كأنها ما كانت حينا قبل ذلك وقال قتادة: كأن لم تغن كأن لم تنعم وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن. ولهذا جاء في الحديث " يؤتى بأنعم أهل الدنيا فيغمس في النار غمسة فيقال له هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول لا ويؤتى بأشد الناس عذابا في الدنيا فيغمس في النعيم غمسة ثم يقال له هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول لا " وقال تعالى إخبارا عن المهلكين " فأصبحوا في دارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها " ثم قال تعالى " كذلك نفصل الآيات " أي نبين الحجج والأدلة " لقوم يتفكرون " فيعتبرون بهذا المثل في زوال الدنيا من أهلها سريعا مع اغترارهم بها وتمكنهم وثقتهم بمواعيدها وتفلتها عنهم فإن من طبعها الهرب ممن طلبها والطلب لمن هرب منها وقد ضرب الله تعالى مثل الدنيا بنبات الأرض في غير ما آية من كتابه العزيز فقال في سورة الكهف " واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا " وكذا في سورة الزمر والحديد يضرب الله بذلك مثل الحياة الدنيا. وقال ابن جرير: حدثني الحارث حدثنا عبد العزيز حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال: سمعت مروان يعني ابن الحكم يقرأ على المنبر: " وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها وما كان الله ليهلكهم إلا بذنوب أهلها " قال: قد قرأتها وليست في المصحف فقال عباس بن عبد الله بن عباس: هكذا يقرؤها ابن عباس فأرسلوا إلى ابن عباس فقال: هكذا أقرأني أبي بن كعب وهذه قراءة غريبة وكأنها زيدت للتفسير.
وقوله تعالى (والله يدعو إلى دار السلام) الآية. لما ذكر تعالى الدنيا وسرعة زوالها رغب في الجنة ودعا إليها