في شارفيه اللذين حصلا له من الخمس يوم بدر وقد بينت ذلك في كتاب السيرة بيانا شافيا ولله الحمد والمنة.
وقوله تعالى " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " أي واتقوا الله في أموركم وأصلحوا فيما بينكم ولا تظالموا ولا تخاصموا ولا تشاجروا فما آتاكم الله من الهدى والعلم خير مما تختصمون بسببه " وأطيعوا الله ورسوله " أي في قسمه بينكم على ما أراده الله فإنه إنما يقسمه كما أمره الله من العدل والانصاف وقال ابن عباس هذا تحريج من الله ورسوله أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم وكذا قال مجاهد وقال السدي " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم " أي لا تستبوا. ولنذكر ههنا حديثا أورده الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي رحمه الله في مسنده فإنه قال: حدثنا مجاهد بن موسى حدثنا عبد الله بن بكير حدثنا عباد بن شيبة الحبطي عن سعيد بن أنس عن أنس رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر: ما أضحكك يا رسول. الله بأبي أنت وأمي؟ فقال: " رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة تبارك وتعالى فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي. قال الله تعالى أعط أخاك مظلمته قال: يا رب لم يبق من حسناتي شئ قال: رب فليحمل عني أوزاري " قال: ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال " إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس إلى من يتحمل عنهم من أوزارهم فقال الله تعالى للطالب ارفع بصرك وانظر في الجنان فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ. لأي نبي هذا؟ لأي صديق هذا؟ لأي شهيد هذا؟
قال هذا لمن أعطى ثمنه قال يا رب ومن يملك ثمنه؟ قال أنت تملكه قال ماذا يا رب؟ قال تعفو عن أخيك قال يا رب فإني قد عفوت عنه قال الله تعالى خذ بيد أخيك فادخلا الجنة ". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة ".
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون (2) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم (4) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " قال: المنافقون لا يدخل قلوبهم شئ من ذكر الله عند أداء فرائضه ولا يؤمنون بشئ من آيات الله ولا يتوكلون ولا يصلون إذا غابوا ولا يؤدون زكاة أموالهم فأخبر الله تعالى أنهم ليسوا بمؤمنين ثم وصف الله المؤمنين فقال " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " فأدوا فرائضه " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا " يقول زادتهم تصديقا " وعلى ربهم يتوكلون " يقول لا يرجون غيره وقال مجاهد " وجلت قلوبهم " فرقت أي فزعت وخافت وكذا قال السدي وغير واحد وهذه صفة المؤمن حق المؤمن الذي إذا ذكر الله وجل قلبه أي خاف منه ففعل أوامره وترك زواجره كقوله تعالى " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " وكقوله تعالى " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى " ولهذا قال سفيان الثوري: سمعت السدي يقول في قوله تعالى " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " قال: هو الرجل يريد أن يظلم أو قال يهم بمعصية فيقال له اتق الله فيجل قلبه وقال الثوري أيضا عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء في قوله " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " قال الوجل في القلب كاحتراق السعفة أما تجد له قشعريرة؟ قال: بلى قالت: إذا وجدت ذلك فادع الله عند ذلك فإن الدعاء يذهب ذلك وقوله " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا " كقوله " وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم