يقول تعالى مسليا لرسوله في تكذيب من كذبه من قومه " ولقد استهزئ برسل من قبلك " أي فلك فيهم أسوة " فأمليت للذين كفروا " أي أنظرتهم وأجلتهم " ثم أخذتهم " أخذة رابية فكيف بلغك ما صنعت بهم وعاقبتهم وأمليت لهم كما قال تعالى " وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير " وفي الصحيحين " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ".
أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد (33) يقول تعالى " أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت " أي حفيظ عليم رقيب على كل نفس منفوسة يعلم ما يعمل العاملون من خير وشر ولا يخفى عليه خافية " وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه " وقال تعالى " وما تسقط من ورقة إلا يعلمها " وقال " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين " وقال " سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار " وقال " يعلم السر وأخفى " وقال " وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير " أفمن هو كذلك كالأصنام التي يعبدونها لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل ولا تملك نفعا لانفسها ولا لعابديها ولا كشف ضر عنها ولا عن عابديها؟ وحذف هذا الجواب اكتفاء بدلالة السياق عليه وهو قوله " وجعلوا لله شركاء " أي عبدوها معه من أصنام وأنداد وأوثان " قل سموهم " أي أعلمونا بهم واكشفوا عنهم حتى يعرفوا فإنهم لا حقيقة لهم ولهذا قال " أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض " أي لا وجود له لأنه لو كان لها وجود في الأرض لعلمها لأنه لا تخفى عليه خافية " أم بظاهر من القول " قال مجاهد: بظن من القول. وقال الضحاك وقتادة بباطل من القول أي إنما عبدتم هذه الأصنام بظن منكم أنها تنفع وتضر وسميتموها آلهة " إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان * إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى " " بل زين للذين كفروا مكرهم " قال مجاهد قولهم أي ما هم عليه من الضلال والدعوة إليه آناء الليل وأطراف النهار كقوله تعالى " وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم " الآية " وصدوا عن السبيل " من قرأها بفتح الصاد معناه أنه لما زين لهم ما هم فيه وأنه حق دعوا إليه وصدوا الناس عن اتباع طريق الرسل ومن قرأها بالضم أي بما زين لهم من صحة ما هم عليه صدوا به عن سبيل الله ولهذا قال " ومن يضلل الله فما له من هاد " كما قال " ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا " وقال " إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين ".
لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق (34) * مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار (35) ذكر تعالى عقاب الكفار وثواب الأبرار فقال بعد إخباره عن حال المشركين وما هم عليه من الكفر والشرك " لهم عذاب في الحياة الدنيا " أي بأيدي المؤمنين قتلا وأسرا " ولعذاب الآخرة " أي المدخر مع هذا الخزي في الدنيا " أشق " أي من هذا بكثير كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين " إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة " وهو كما قال صلوات الله وسلامه عليه فإن عذاب الدنيا له انقضاء وذاك دائم أبدا في نار هي بالنسبة إلى هذه سبعون ضعفا ووثاق لا يتصور كثافته وشدته كما قال تعالى " فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد "