الصحيحين بدون هذه الزيادة وقال ابن عباس في قوله " فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين " يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون " وما كنا غائبين " يعني أنه تعالى يخبر عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا من قليل وكثير وجليل وحقير لأنه تعالى الشهيد على كل شئ لا يغيب عنه شئ ولا يغفل عن شئ بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور " وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ".
والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (8) ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون (9) يقول تعالى " والوزن " أي للأعمال يوم القيامة " الحق " أي لا يظلم تعالى أحدا كقوله " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " وقال تعالى " إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما " وقال تعالى " فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية * وما أدراك ما هيه * نار حامية ". وقال تعالي " فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ".
" فصل " والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل الأعمال وأن كانت أعراضا إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساما قال البغوي يروى نحو هذا عن ابن عباس كما جاء في الصحيح من أن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف. ومن ذلك في الصحيح قصة القرآن وإنه يأتي صاحبه في صورة شاب شاحب اللون فيقول من أنت فيقول أنا القرآن الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك. وفي حديث البراء في قصة سؤال القبر " فيأتي المؤمن شاب حسن اللون طيب الريح فيقول من أنت؟ فيقول أنا عملك الصالح ".
وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق وقيل يوزن كتاب الأعمال كما جاء في حديث البطاقة في الرجل الذي يؤتى به ويوضع له في كفة تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها لا إله إلا الله فيقول يا رب وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله تعالى إنك لا تظلم. فتوضع تلك البطاقة في كفة الميزان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فطاشت السجلات وثقلت البطاقة " رواه الترمذي بنحو من هذا وصححه وقيل يوزن صاحب العمل كما في الحديث " يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضة " ثم قرأ " فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا " وفي مناقب عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أتعجبون من دقة ساقيه والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد " وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحا فتارة توزن الأعمال وتارة توزن محالها وتارة يوزن فاعلها والله أعلم.
ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون (10) يقول تعالى ممتنا على عبيده فيما مكن لهم من أنه جعل الأرض قرارا وجعل فيها رواسي وأنهارا وجعل لهم فيها منازل وبيوتا وأباح لهم منافعها وسخر لهم السحاب لاخراج أرزاقهم منها وجعل لهم فيها معايش أي مكاسب وأسبابا يكسبون بها ويتجرون فيها ويتسببون أنواع الأسباب وأكثرهم مع هذا قليل الشكر على ذلك كقوله " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفار " وقد قرأ الجميع معايش بلا همز إلا عبد الرحمن بن هرمز الأعرج فإنه