المتصفين بهؤلاء الصفات الحسنة بأن لهم عقبى الدار ثم فسر ذلك بقوله " جنات عدن " والعدن الإقامة أي جنات إقامة يخلدون فيها وعن عبد الله بن عمرو أنه قال: إن في الجنة قصرا يقال له عدن حوله البروج والمروج فيه خمسة آلاف باب على كل باب خمسة آلاف حبرة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد وقال الضحاك في قوله " جنات عدن " مدينة الجنة فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى والناس حولهم بعد والجنات حولها رواهما ابن جرير. وقوله " ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم " أي يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والاهلين والأبناء ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين لتقر أعينهم بهم حتى أنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الاعلى امتنانا من الله وإحسانا من غير تنقيص للأعلى عن درجته كما قال تعالى " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم " الآية وقوله " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " أي وتدخل عليهم الملائكة من ههنا ومن ههنا للتهنئة بدخول الجنة فعند دخولهم إياها تفد عليهم الملائكة مسلمين مهنئين لهم بما حصل لهم من الله من التقريب والانعام والإقامة في دار السلام في جوار الصديقين والأنبياء والرسل الكرام، وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا أبو عبد الرحمن حدثني سعيد بن أبي أيوب حدثنا معروف بن سويد الحراني عن أبي عشانة المعافري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله؟ " قالوا الله ورسوله أعلم. قال " أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء فيقول الله تعالى لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيوهم فتقول الملائكة نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء ونسلم عليهم؟ فيقول إنهم كانوا عبادا يعبدونني لا يشركون بي شيئا وتسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء - قال - فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب " سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " ورواه أبو القاسم الطبراني عن أحمد بن رشدين عن أحمد بن صالح عن عبد الله بن وهب عن عمر بن الحارث عن أبي عشانة سمع عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أول ثلة يدخلون الجنة فقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره وإذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى سلطان لم تقض حتى يموت وهي في صدره وإن الله يدعو يوم القيامة الجنة فتأتى بزخرفها وزينتها فيقول أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي وجاهدوا في سبيلي؟ ادخلوا الجنة بغير عذاب ولا حساب وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون ربنا نحن نسبح بحمدك الليل والنهار ونقدس لك من هؤلاء الذين آثرتهم علينا؟ فيقول الرب عز وجل هؤلاء عبادي الذين جاهدوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي فتدخل عليهم الملائكة من كل باب: " سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " وقال عبد الله بن المبارك عن بقية بن الوليد حدثنا أرطاة بن المنذر سمعت رجلا من مشيخة الجند يقال له أبو الحجاج يقول: جلست إلى أبى أمامة فقال: إن المؤمن ليكون متكئا على أريكته إذا دخل الجنة وعنده سماطان من خدم وعند طرف السماطين باب مبوب فيقبل الملك فيستأذن فيقول للذي يليه ملك يستأذن ويقول الذي يليه للذي يليه ملك يستأذن حتى يبلغ المؤمن فيقول ائذنوا فيقول أقربهم للمؤمن ائذنوا له ويقول الذي يليه للذي يليه ائذنوا له حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب فيفتح له فيدخل فيسلم ثم ينصرف. رواه ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش عن أرطاة بن المنذر عن أبي الحجاج يوسف الالهاني قال: سمعت أبا أمامة فذكر نحوه وقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور قبور الشهداء في رأس كل حول فيقول لهم: " سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان.
والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار (25)