وصدقوا أخباره الماضية والآتية فلهم " الحسنى " وهو الجزاء الحسن كقوله تعالى مخبرا عن ذي القرنين أنه قال " أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا * وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا " وقال تعالى " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " وقوله " والذين لم يستجيبوا له " أي لم يطيعوا الله " لو أن لهم ما في الأرض جميعا " أي في الدار الآخرة لو أن يمكنهم أن يفتدوا من عذاب الله بملء ء الأرض ذهبا ومثله معه لافتدوا به ولكن لا يقبل منهم لأنه تعالى لا يقبل منهم يوم القيامة صرفا ولا عدلا " أولئك لهم سوء الحساب " أي في الدار الآخرة أي يناقشون على النقير والقطمير والجليل والحقير ومن نوقش الحساب عذب ولهذا قال " ومأواهم جهنم وبئس المهاد ".
* أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب (19) يقول تعالى: لا يستوي من يعلم من الناس أن الذي " أنزل إليك " يا محمد " من ربك " هو الحق الذي لا شك فيه ولا مرية ولا لبس فيه ولا اختلاف فيه بل هو كله حق يصدق بعضه بعضا لا يضاد شئ منه شيئا آخر فأخباره كلها حق وأوامره ونواهيه عدل كما قال تعالى " وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا " أي صدقا في الاخبار وعدلا في الطلب فلا يستوي من تحقق صدق ما جئت به يا محمد ومن هو أعمى لا يهتدي إلى خير ولا يفهمه ولو فهمه ما انقاد له ولا صدقه ولا اتبعه كقوله تعالى " لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون " وقال في هذه الآية الكريمة " أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى " أي أفهذا كهذا؟ لا استواء وقوله " إنما يتذكر أولو الألباب " أي إنما يتعظ ويعتبر ويعقل أولو العقول السليمة الصحيحة جعلنا الله منهم.
الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق (20) والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب (21) والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار (22) جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب (23) سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار (24) يقول تعالى مخبرا عمن اتصف بهذه الصفات الحميدة بأن لهم عقبى الدار وهي العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة " الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق " وليسوا كالمنافقين الذين إذا عاهد أحدهم غدر وإذا خاصم فجز وإذا حدث كذب وإذا ائتمن خان " والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل " من صلة الأرحام والاحسان إليهم وإلى الفقراء والمحاويج وبذل المعروف " ويخشون ربهم " أي فيما يأتون وما يذرون من الأعمال يراقبون الله في ذلك ويخافون سوء الحساب في الدار الآخرة فلهذا أمرهم على السداد والاستقامة في جميع حركاتهم وسكناتهم وجميع أحوالهم القاصرة والمتعدية " والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم " أي عن المحارم والمآثم ففطموا أنفسهم عنها لله عز وجل ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه " وأقاموا الصلاة " بحدودها ومواقيتها وركوعها وسجودها وخشوعها على الوجه الشرعي المرضي " وأنفقوا مما رزقناهم " أي على الذين يجب عليهم الانفاق لهم من زوجات وقرابات وأجانب من فقراء ومحاويج ومساكين " سرا وعلانية " أي في السر والجهر لم يمنعهم من ذلك حال من الأحوال آناء الليل وأطراف النهار " ويدرءون بالحسنة السيئة " أي يدفعون القبيح بالحسن فإذا آذاهم أحد قابلوه بالجميل صبرا واحتمالا وصفحا وعفوا كقوله تعالى " ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " ولهذا قال مخبرا عن هؤلاء السعداء