ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير (39) هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال في شدة الحر وحمارة القيظ فقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله " أي إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله " اثاقلتم في الأرض " أي تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار " أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة " أي ما لكم فعلتم هكذا رضا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة ثم زهد تبارك وتعالى في الدنيا. ورغب في الآخرة فقال " فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل " كما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع ويحيى بن سعيد قالا: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن المستورد أخي بني فهر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم فلينظر بما ترجع؟ " وأشار بالسبابة انفرد بإخراجه مسلم. وروى ابن أبي حاتم حدثنا بشر بن مسلم بن عبد الحميد الحمصي بحمص حدثنا الربيع بن روح حدثنا محمد بن خالد الوهبي حدثنا زياد يعني الجصاص عن أبي عثمان قال: قلت يا أبا هريرة سمعت من إخواني بالبصرة أنك تقول سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله يجزي بالحسنة ألف ألف حسنة " قال أبو هريرة: بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة " ثم تلا هذه الآية " فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل " فالدنيا ما مضى منها وما بقى منها عند الله قليل. وقال الثوري عن الأعمش في الآية " فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل " قال كزاد الراكب وقال عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه لما حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة قال: ائتوني بكفني الذي أكفن فيه أنظر إليه فلما وضع بين يديه نظر إليه فقال: أما لي من كبير ما أخلف من الدنيا إلا هذا؟ ثم ولى ظهره فبكى وهو يقول أف لك من دار إن كان كثير لقليل وإن كان قليلك لقصير وإن كنا منك لفي غرور. ثم توعد تعالى من ترك الجهاد فقال " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما " قال ابن عباس: استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا من العرب فتثاقلوا عنه فأمسك الله عنهم القطر فكان عذابهم " ويستبدل قوما غيركم " أي لنصرة نبيه وإقامة دينه كما قال تعالى " وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم * ثم لا يكونوا أمثالكم " " ولا تضروه شيئا " أي ولا تضروا الله شيئا بتوليكم عن الجهاد ونكولكم وتثاقلكم عنه " والله على كل شئ قدير " أي قادر على الانتصار من الأعداء بدونكم وقد قيل إن هذه الآية وقوله " انفروا خفافا وثقالا " وقوله " وما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله " أنهن منسوخات بقوله تعالى " وما كانوا المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة " روى هذا عن ابن عباس وعكرمة والحسن وزيد بن أسلم ورده ابن جرير وقال إنما هذا فيمن دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد فتعين عليهم ذلك فلو تركوه لعوقبوا عليه وهذا له اتجاه والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم (40) يقول تعالى " إلا تنصروه " أي تنصروا رسوله فإن الله ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه كما تولى نصره " إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين " أي عام الهجرة لما هم المشركون بقتله أو حبسه أو نفيه فخرج منهم هاربا صحبة صديقه وصاحبه أبي بكر بن أبي قحافة فلجأ إلى غار ثور ثلاثة أيام ليرجع الطلب الذين خرجوا في آثارهم ثم يسيروا نحو المدينة فجعل أبو بكر رضي الله عنه يجزع أن يطلع عليهم فيخلص إلى الرسول عليه الصلاة والسلام منهم أذى فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يسكنه ويثبته ويقول " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما " كما قال الإمام أحمد: