ويفقهون لنفروا مع الرسول في سبيل الله في الحر ليتقوا به من حر جهنم الذي هو أضعاف هذا ولكنهم كما قال الآخر: كالمستجير من الرمضاء بالنار وقال الآخر:
عمرك بالحمية أفنيته * خوفا من البارد والحار كان أولى لك أن تتقي * من المعاصي حذر النار ثم قال تعالى جل جلاله متوعدا هؤلاء المنافقين على صنيعهم هذا " فليضحكوا قليلا " الآية. قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاءوا فإذا انقطعت الدنيا وصاروا إلى الله عز وجل استأنفوا بكاء لا ينقطع أبدا وكذا قال أبو رزين والحسن وقتادة والربيع بن خثيم وعون العقيلي وزيد بن أسلم وقال الحافظ أبو يعلي الموصلي حدثنا عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خداش حدثنا محمد بن جبير عن ابن المبارك عن عمران بن زيد حدثنا يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع فتسيل الدماء فتقرح العيون فلو أن سفنا أزجيت فيها لجرت ". ورواه ابن ماجة من حديث الأعمش عن يزيد الرقاشي به وقال الحافظ أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا حدثنا محمد بن العباس حدثنا حماد الجزري عن زيد بن رفيع رفعه قال " إن أهل النار إذا دخلوا النار بكوا الدموع زمانا ثم بكوا القيح زمانا قال فتقول لهم الخزنة يا معشر الأشقياء تركتم البكاء في الدار المرحوم فيها أهلها في الدنيا هل تجدون اليوم من تستغيثون به؟ قال فيرفعون أصواتهم يا أهل الجنة يا معشر الآباء والأمهات والأولاد خرجنا من القبور عطاشا وكنا طول الموقف عطاشا ونحن اليوم عطاش فأفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله. فيدعون أربعين سنة لا يجيبهم ثم يجيبهم " إنكم ماكثون " فييأسون من كل خير.
فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين (83) يقول تعالى آمرا لرسوله عليه الصلاة والسلام " فإن رجعك الله " أي ردك الله من غزوتك هذه " إلى طائفة منهم " قال قتادة: ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلا " فاستأذنوك للخروج " أي معك إلى غزوة أخرى " فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا " أي تعزيزا لهم وعقوبة ثم علل ذلك بقوله " إنكم رضيتم بالقعود أول مرة " وهذا كقوله تعالى " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة " الآية. فإن جزاء السيئة السيئة بعدها كما أن ثواب الحسنة الحسنة بعدها كقوله في عمرة الحديبية " سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها " الآية وقوله تعالى " فاقعدوا مع الخالفين " قال ابن عباس أي الرجال الذين تخلفوا عن الغزاة وقال قتادة " فاقعدوا مع الخالفين " أي مع النساء قال ابن جرير وهذا لا يستقيم لان جمع النساء لا يكون بالياء والنون ولو أريد النساء لقال فاقعدوا مع الخوالف أو الخالفات ورجح قول ابن عباس رضي الله عنهما.
ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون (84) أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من المنافقين وأن لا يصلي على أحد منهم إذا مات وأن لا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له لانهم كفروا بالله ورسوله وماتوا عليه وهذا حكم عام في كل من عرف نفاقه وإن كان سبب نزول الآية في عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين كما قال البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فقام عمر فأخذ