ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (117) يخبر تعالى عن حال أكثر أهل الأرض من بني آدم أنه الضلال كما قال تعالى " ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين " وقال تعالى " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " وهم في ضلالهم ليسوا على يقين من أمرهم وإنما هم في ظنون كاذبة وحسبان باطل " إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون " فإن الخرص هو الحزر ومنه خرص النخل وهو حزر ما عليها من التمر وذلك كله عن قدر الله ومشيئته " هو أعلم من يضل عن سبيله " فييسره لذلك " وهو أعلم بالمهتدين " فييسرهم لذلك وكل ميسر لما خلق له.
فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين (118) وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين (119) هذا إباحة من الله لعباده المؤمنين أن يأكلوا من الذبائح ما ذكر عليه اسمه ومفهومه أنه لا يباح ما لم يذكر اسم الله عليه كما كان يستبيحه كفار قريش من أكل الميتات وأكل ما ذبح على النصب وغيرها ثم ندب إلى الاكل مما ذكر اسم الله عليه فقال " وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم " أي قد بين لكم ما حرم عليكم ووضحه وقرأ بعضهم فصل بالتشديد وقرأ آخرون بالتخفيف والكل بمعنى البيان والوضوح " إلا ما اضطررتم إليه " أي إلا في حال الاضطرار فإنه يباح لكم ما وجدتم ثم بين تعالى جهالة المشركين في آرائهم الفاسدة من استحلالهم الميتات وما ذكر عليه غير اسم الله تعالى فقال " وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين " أي هو أعلم باعتدائهم وكذبهم وافترائهم.
وذروا ظهر الاثم وباطنه إن الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون (120) قال مجاهد " وذروا ظاهر الاثم وباطنه " معصيته في السر والعلانية وفي رواية عنه هو ما ينوى مما هو عامل وقال قتادة " وذروا ظاهر الاثم وباطنه " أي سره وعلانيته قليله وكثيره وقال السدي: ظاهره الزنا مع البغايا ذوات الرايات وباطنه الزنا مع الخليلة والصدائق والأخدان وقال عكرمة ظاهره نكاح ذوات المحارم والصحيح أن الآية عامة في ذلك كله وهي كقوله تعالى " قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن " الآية ولهذا قال تعالى " إن الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون " أي سواء كان ظاهرا أو خفيا فإن الله سيجزيهم عليه قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن النواس بن سمعان قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاثم فقال " الاثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع الناس عليه ".
ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون (121) استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب إلى أن الذبيحة لا تحل إذا لم يذكر اسم الله عليها وإن كان الذابح مسلما وقد اختلف الأئمة رحمهم الله في هذه المسألة على ثلاثة أقوال فمنهم من قال لا تحل هذه الذبيحة بهذه الصفة