السحابة لتمر بالملأ من أهل الجنة وهم جلوس على شرابهم فلا يشتهي أحد منهم شيئا إلا أمطرته عليه حتى إن منهم لمن يقول أمطرينا كواعب أترابا فيكون ذلك " " كذلك يجزي الله المتقين " أي كذلك يجزي الله كل من آمن به واتقاه وأحسن عمله ثم أخبر تعالى عن حالهم عند الاحتضار أنهم طيبون أي مخلصون من الشرك والدنس وكل سوء وأن الملائكة تسلم عليهم وتبشرهم بالجنة كقوله تعالى " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم " وقد قدمنا الأحاديث الواردة في قبض روح المؤمن وروح الكافر عند قوله تعالى " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ".
هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (33) فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون (34) يقول تعالى مهددا للمشركين على تماديهم في الباطل واغترارهم بالدنيا هل ينتظر هؤلاء إلا الملائكة أن تأتيهم لقبض أرواحهم قاله قتادة " أو يأتي أمر ربك " أي يوم القيامة وما يعاينونه من الأهوال وقوله " كذلك فعل الذين من قبلهم " أي هكذا تمادى في شركهم أسلافهم ونظراؤهم وأشباههم من المشركين حتى ذاقوا بأس الله وحلوا فيما هم فيه من العذاب والنكال " وما ظلمهم الله " لأنه تعالى أعذر إليهم وأقام حججه عليهم بإرسال رسله وإنزال كتبه " ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " أي بمخالفة الرسل والتكذيب بما جاءوا به، فلهذا أصابتهم عقوبة الله على ذلك " وحاق بهم " أي أحاط بهم من العذاب الأليم " ما كانوا به يستهزئون " أي يسخرون من الرسل إذا توعدوهم بعقاب الله فلهذا يقال لهم يوم القيامة " هذه النار التي كنتم بها تكذبون ".
وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شئ كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين (35) ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين (36) إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين (37) يخبر تعالى عن اغترار المشركين بما هم فيه من الاشراك واعتذارهم محتجين بالقدر بقولهم " لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شئ " أي من البحائر والسوائب والوصائل وغير ذلك مما كانوا ابتدعوه واخترعوه من تلقاء أنفسهم ما لم ينزل به سلطانا ومضمون كلامهم أنا لو كان تعالى كارها لما فعلنا لا نكره علينا بالعقوبة ولما مكننا منه قال الله تعالى رادا عليهم شبهتهم " فهل على الرسل إلا البلاغ المبين " أي ليس الامر كما تزعمون أنه لم ينكره عليكم بل قد أنكره عليكم أشد الانكار ونهاكم عنه آكد النهي وبعث في كل أمة أي في كل قرن وطائفة من الناس رسولا وكلهم يدعون إلى عبادة الله وينهون عن عبادة ما سواه " أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " فلم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم في قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض إلى أن ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي طبقت دعوته الإنس والجن في المشارق والمغارب وكلهم كما قال الله تعالى " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " وقوله تعالى " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة