همزها والصواب الذي عليه الأكثرون بلا همز لان معايش جمع معيشة من عاش يعيش عيشا ومعيشة أصلها معيشة فاستثقلت الكسرة على الياء فنقلت إلى العين فصارت معيشة فلما جمعت رجعت الحركة إلى الياء لزوال الاستثقال فقيل معايش ووزنه مفاعل لان الياء أصلية في الكلمة بخلاف مدائن وصحائف وبصائر جمع مدينة وصحيفة وبصيرة من مدن وصحف وأبصر فإن الياء فيها زائدة ولهذا تجمع على فعائل وتهمز لذلك والله أعلم.
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين (11) ينبه تعالى بني آدم في هذا المقام على شرف أبيهم آدم ويبين لهم عداوة عدوهم إبليس وما هو منطو عليه من الحسد لهم ولأبيهم آدم ليحذروه ولا يتبعوا طرائقه فقال تعالى " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا " وهذا كقوله تعالى " وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " وذلك أنه تعالى لما خلق آدم عليه السلام بيده من طين لازب وصوره بشرا سويا ونفخ فيه من روحه أمر الملائكة بالسجود له تعظيما لشأن الله تعالى وجلاله فسمعوا كلهم وأطاعوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين وقد تقدم الكلام على إبليس في أول سورة البقرة. وهذا الذين قررناه هو اختيار ابن جرير أن المراد بذلك كله آدم عليه السلام. وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن منهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " ولقد خلقناكم ثم صورناكم " قال خلقوا في أصلاب الرجال وصوروا في أرحام النساء. رواه الحاكم. وقال صحيح على شرطهما ولم يخرجاه ونقل ابن جرير عن بعض السلف أيضا أن المراد بخلقناكم ثم صورناكم الذرية.
وقال الربيع بن أنس والسدي وقتادة والضحاك في هذه الآية " ولقد خلقناكم ثم صورناكم " أي خلقنا آدم ثم صورنا الذرية وهذا فيه نظر لأنه قال بعده " ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " فدل على أن المراد بذلك آدم وإنما قيل ذلك بالجمع لأنه أبو البشر كما يقول الله تعالى لبني إسرائيل الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم " وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى " والمراد بالآباء آباؤهم الذين كانوا في زمن موسى ولكن لما كان ذلك منة على الآباء الذين هم أصل صار كأنه واقع على الأبناء وهذا بخلاف قوله " ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين " الآية.
فإن المراد منه آدم المخلوق من السلالة وذريته مخلوقون من نطفة وصح هذا لان المراد من خلقنا الانسان الجنس لا معينا والله أعلم.
قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين (12) قال بعض النحاة في توجيه قوله تعالى " ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك " لا هنا زائدة وقال بعضهم زيدت لتأكيد الجحد كقول الشاعر: ما إن رأيت ولا سمعت بمثله. فأدخل " إن " وهي للنفي على ما النافية لتأكيد النفي قالوا وكذا هنا " ما منعك أن لا تسجد " مع تقدم قوله " لم يكن من الساجدين " حكاهما ابن جرير وردهما واختار أن منعك مضمن معنى فعل آخر تقديره ما أحرجك وألزمك واضطرك أن لا تسجد إذ أمرتك ونحو هذا. وهذا القول قوي حسن والله أعلم. وقول إبليس لعنه الله " أنا خير منه " من العذر الذي هو أكبر من الذنب كأنه امتنع من الطاعة لأنه لا يؤمر الفاضل بالسجود للمفضول يعني لعنه الله وأنا خير منه فكيف تأمرني بالسجود له؟ ثم بين أنه خير منه بأنه خلق من نار والنار أشرف مما خلقته منه وهو الطين فنظر اللعين إلى أصل العنصر ولم ينظر إلى التشريف العظيم وهو أن الله تعالى خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه وقاس قياسا فاسدا في مقابلة نص قوله تعالى " فقعوا له ساجدين " فشذ من بين الملائكة لترك السجود فلهذا أبلس من الرحمة أي أويس من الرحمة فأخطأ قبحه الله في