ومعلوم أن الجن تبع للانس في هذا الباب ولهذا قال تعالى إخبارا عنهم " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم * ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين " وقد جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا عليهم سورة الرحمن وفيها قوله تعالى " سنفرغ لكم أيها الثقلان * فبأي آلاء ربكما تكذبان " وقال تعالى في هذه الآية الكريمة " يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا " أي أقررنا أن الرسل قد بلغونا رسالاتك وأنذرونا لقاءك وأن هذا اليوم كائن لا محالة وقال تعالى " وغرتهم الحياة الدنيا " أي وقد فرطوا في حياتهم الدنيا وهلكوا بتكذيبهم الرسل ومخالفتهم للمعجزات لما اغتروا به من زخرف الحياة الدنيا وزينتها وشهواتها " وشهدوا على أنفسهم " أي يوم القيامة " أنهم كانوا كافرين " أي في الدنيا بما جاءتهم به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.
ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون (131 ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون (132) يقول تعالى " ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون " أي إنما أعذرنا إلى الثقلين بإرسال الرسل وإنزال الكتب لئلا يؤاخذ أحدا بظلمه وهو لم تبلغه دعوة ولكن أعذرنا إلى الأمم وما عذبنا أحدا إلا بعد إرسال الرسل إليهم كما قال تعالى " وإن من قرية إلا خلا فيها نذير " وقال تعالى " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " كقوله " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " وقال تعالى " كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا " والآيات في هذا كثيرة قال الإمام أبو جعفر بن جرير ويحتمل قوله تعالى " بظلم " وجهين: " أحدهما " " ذلك " من أجل " أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم " أهلها بالشرك ونحوه " وهم غافلون " يقول إن لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتى يبعث إليهم رسولا ينبههم على حجج الله عليهم وينذرهم عذاب الله يوم معادهم ولم يكن بالذي يؤاخذهم غفلة فيقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير " والوجه الثاني " " ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم " يقول لم يكن ربك ليهلكهم دون التنبيه والتذكير بالرسل والآيات والعبر فيظلمهم بذلك والله غير ظلام لعبيده ثم شرع يرجح الوجه الأول ولا شك أنه أقوى والله أعلم.
قال: وقوله تعالى " ولكل درجات مما عملوا " أي ولكل عامل من طاعة الله أو معصيته مراتب ومنازل من عمله يبلغه الله إياها ويثيبه بها إن خيرا فخير وإن شرا فشر قلت: ويحتمل أن يعود قوله " ولكل درجات مما عملوا " أي من كافري الجن والإنس أي ولكل درجة في النار بحسبه كقوله " قال لكل ضعف " وقوله " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون " " وما ربك بغافل عما يعملون " قال ابن جرير: أي وكل ذلك من عملهم يا محمد بعلم من ربك يحصيها ويثبتها لهم عنده ليجازيهم عليها عند لقائهم إياه ومعادهم إليه.
وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين (133) إن