تعظيم الحلف بالله ومراعاة جانبه وإجلاله والخوف من الفضيحة بين الناس إن ردت اليمين على الورثة فيحلفون ويستحقون ما يدعون ولهذا قال " أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم " ثم قال " واتقوا الله " أي في جميع أموركم " واسمعوا " أي وأطيعوا " والله لا يهدي القوم الفاسقين " أي الخارجين عن طاعته ومتابعة شريعته.
* يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب (109) هذا إخبار عما يخاطب الله به المرسلين يوم القيامة عما أجيبوا به من أممهم الذين أرسلهم إليهم كما قال تعالى " فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين " وقال تعالى " فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون " وقول الرسل " لا علم لنا " قال مجاهد والحسن البصري والسدي إنما قالوا ذلك من هول ذلك اليوم قال عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن مجاهد " يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم " فيفزعون فيقولون " لا علم لنا " رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد حدثنا حكام حدثنا عنبسة قال:
سمعت شيخا يقول سمعت الحسن يقول في قوله " يوم يجمع الله الرسل " الآية قال من هول ذلك اليوم.
وقال أسباط عن السدي " يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا " ذلك أنهم نزلوا منزلا ذهلت فيه العقول فلما سئلوا قالوا " لا علم لنا " ثم نزلوا منزلا آخر فشهدوا على قومهم رواه ابن جرير ثم قال ابن جرير: حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا الحجاج عن ابن جريج قوله " يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم " أي ماذا عملوا بعدكم وماذا أحدثوا بعدكم قالوا " لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب " وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب " يقولون للرب عز وجل لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا. رواه ابن جرير ثم اختاره على هذه الأقوال الثلاثة ولا شك أنه قول حسن وهو من باب التأدب مع الرب جل جلاله. أي لا علم لنا بالنسبة إلى علمك المحيط بكل شئ فنحن وإن كنا قد أجبنا وعرفنا من أجابنا ولكن منهم من كنا إنما نطلع على ظاهره لا علم لنا بباطنه وأنت العليم بكل شئ المطلع على كل شئ فعلمنا بالنسبة إلى علمك كلا علم فإنك " أنت علام الغيوب ".
إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين (110) وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا وأشهد بأننا مسلمون (111) يذكر تعالى ما امتن به على عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام مما أجراه على يديه من المعجزات الباهرات وخوارق العادات فقال (أذكر نعمتي عليك) أي في خلقي إياك من أم بلا ذكر وجعلي إياك آية ودلالة قاطعة على كمال قدرتي على الأشياء (وعلى والدتك) حيث جعلتك لها برهانا على براءتها مما نسبه الظالمون والجاهلون إليها من الفاحشة (إذ أيدتك بروح القدس) وهو جبريل عليه السلام وجعلتك نبيا داعيا إلى الله في صغرك وكبرك فأنطقتك في المهد صغيرا فشهدت ببراءة أمك من كل عيب واعترفت لي بالعبودية وأخبرت عن رسالتي إياك ودعوت إلى عبادتي ولهذا قال " تكلم الناس في المهد وكهلا " أي تدعو إلى الله الناس في صغرك