تخسير (63) يذكر تعالى ما كان من الكلام بين صالح عليه السلام وبين قومه وما كان عليه قومه من الجهل والعناد في قولهم " قد كنت فينا مرجوا قبل هذا " أي كنا نرجوك في عقلك قبل أن تقول ما قلت " أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا " وما كان عليه أسلافنا " وإننا لفي شك مما تدعوك إليه مريب " أي شك كثير " قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي " فيما أرسلني به إليكم على يقين وبرهان " وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته " وتركت دعوتكم إلى الحق وعبادة الله وحده فلو تركته لما نفعتموني ولما زدتموني " غير تخسير " أي خسارة.
ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب (64) فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب (65) فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز (66) وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين (67) كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود (68) تقدم الكلام على هذه القصة مستوفى في سورة الأعراف بما أغنى عن إعادته هاهنا وبالله التوفيق.
ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ (69) فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط (70) وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب (71) قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشئ عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد (73) يقول تعالى " ولقد جاءت رسلنا " وهم الملائكة إبراهيم بالبشرى قيل تبشره بإسحاق وقيل بهلاك قوم لوط ويشهد للأول قوله تعالى " ولما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط " " قالوا سلاما قال سلام " أي عليكم قال علماء البيان: هذا أحسن مما حيوه به لان الرفع يدل على الثبوت والدوام " فما لبث أن جاء بعجل حنيذ " أي ذهب سريعا فأتاهم بالضيافة وهو عجل فتى البقر حنيذ: مشوي على الرضف وهي الحجارة المحماة. هذا معنى ما روي عن ابن عباس وقتادة وغير واحد كما قال في الآية الأخرى " فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون " وقد تضمنت هذه الآية آداب الضيافة من وجوه كثيرة وقوله " فلما رأى أيديهم لا تصل إليهم نكرهم " تنكرهم " وأوجس منهم خيفة " وذلك أن الملائكة لا همة لهم إلى الطعام ولا يشتهونه ولا يأكلونه فلهذا رأى حالهم معرضين عما جاءهم به فارغين عنه بالكلية فعند ذلك نكرهم " وأوجس منهم خيفة " قال السدي: لما بعث الله الملائكة لقوم لوط أقبلت تمشي في صور رجال شبان حتى نزلوا على إبراهيم فتضيفوه فلما رآهم أجلهم " فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين " فذبحه ثم شواه في الرضف وأتاهم به فقعد معهم وقامت سارة تخدمهم فذلك حين يقول - وامرأته قائمة وهو جالس - في قراءة ابن مسعود " فلما قربه إليهم قال ألا تأكلون " قالوا يا إبراهيم إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن قال فإن لهذا ثمنا قالوا وما ثمنه؟ قال تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا " فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم " يقول فلما رآهم لا يأكلون فزع منهم وأوجس منهم خيفة فلما نظرت سارة أنه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم ضحكت وقالت: عجبا لأضيافنا هؤلاء نخدمهم بأنفسنا كرامة لهم وهم