عليك " أي يا محمد " من أنبائها " أي من أخبارها " ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات " أي الحجج على صدقهم فيما أخبروهم به كما قال تعالى " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " وقال تعالى " ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد * وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم " وقوله تعالى " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل " الباء سببية أي فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل بسبب تكذيبهم بالحق أول ما ورد عليهم حكاه ابن عطية رحمه الله وهو متجه حسن كقوله " وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون * ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة " الآية ولهذا قال هنا " كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين وما وجدنا لأكثرهم " أي لأكثر الأمم الماضية " من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين " أي ولقد وجدنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطاعة والامتثال والعهد الذي أخذه هو ما جبلهم عليه وفطرهم عليه وأخذ عليهم في الأصلاب أنه ربهم ومليكهم وأنه لا إله إلا هو وأقروا بذلك وشهدوا على أنفسهم به وخالفوه وتركوه وراء ظهورهم وعبدوا مع الله غيره بلا دليل ولا حجة لا من عقل ولا شرع وفي الفطر السليمة خلاف ذلك وجاءت الرسل الكرام من أولهم إلى آخرهم بالنهي عن ذلك كما جاء في صحيح مسلم " يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم " وفي الصحيحين " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " الحديث وقال تعالى في كتابه العزيز " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " وقوله تعالى " واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " وقال تعالى " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " إلى غير ذلك من الآيات وقد قيل في تفسير قوله تعالى " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل " ما روى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب في قوله " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل " قال كان في علمه تعالى يوم أقروا له بالميثاق أي فما كانوا ليؤمنوا لعلم الله منهم ذلك وكذا قال الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب عن أنس واختاره ابن جرير وقال السدي " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل " قال ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرها وقال مجاهد في قوله " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل " هذا كقوله " ولو ردوا لعادوا " الآية.
ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين (103) يقول تعالى " ثم بعثنا من بعدهم " أي الرسل المتقدم ذكرهم كنوح وهود وصالح ولوط وشعيب صلوات الله وسلامه عليهم وعلى سائر أنبياء الله أجمعين " موسى بآياتنا " أي بحججنا ودلائلنا البينة إلى فرعون وهو ملك مصر في زمن موسى " وملئه " أي قومه " فظلموا بها " أي جحدوا وكفروا بها ظلما منهم وعنادا كقوله تعالى " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين " أي الذين صدوا عن سبيل الله وكذبوا رسله أي انظر يا محمد كيف فعلنا بهم وأغرقناهم عن آخرهم بمرأى من موسى وقومه وهذا أبلغ في النكال بفرعون وقومه وأشفي لقلوب أولياء الله موسى وقومه من المؤمنين به.
وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين (104) حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل (105) قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين (106) يخبر تعالى عن مناظرة موسى لفرعون وإلجامه إياه بالحجة وإظهاره الآيات البينات بحضرة فرعون وقومه من قبط مصر فقال تعالى " وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين " أي أرسلني الذي هو خالق كل شئ وربه ومليكه " حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق " فقال بعضهم معناه حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق أي جدير بذلك وحري به قالوا والباء وعلى يتعاقبان يقال رميت بالقوس وعلى القوس وجاء على حال حسنة وبحال حسنة وقال بعض المفسرين معناه