وراءهم ليكون أحفظ لهم وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى في الغزو إنما يكون ساقة يزجي الضعيف ويحمل المنقطع وقوله " ولا يلتفت منكم أحد " أي إذا سمعتم الصيحة بالقوم فلا تلتفتوا إليهم وذروهم فيما حل بهم من العذاب والنكال " وامضوا حيث تؤمرون " كأنه كان معهم من يهديهم السبيل " وقضينا إليه ذلك الامر " أي تقدمنا إليه في هذا " أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين " أي وقت الصباح كقوله في الآية الأخرى " إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ".
وجاء أهل المدينة يستبشرون (67) قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون (68) واتقوا الله ولا تخزون (69) قالوا أو لم ننهك عن العالمين (70) قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين (71) لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون (72) يخبر تعالى عن مجئ قوم لوط لما علموا بأضيافه وصباحة وجوههم وأنهم جاءوا مستبشرين بهم فرحين " قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون * واتقوا الله ولا تخزون " وهذا إنما قاله لهم قبل أن يعلم بأنهم رسل الله كما قال في سورة هود وأما ههنا فتقدم ذكر أنهم رسل الله وعطف بذكر مجئ قومه ومحاجته لهم ولكن الواو لا تقتضي الترتيب ولا سيما إذا دل دليل على خلافه فقالوا له مجيبين " أو لم ننهك عن العالمين " أي أو ما نهيناك أن تضيف أحدا؟
فأرشدهم إلى نسائهم وما خلق لهم ربهم منهم من الفروج المباحة. وقد تقدم إيضاح القول في ذلك بما أغنى عن إعادته هذا كله وهم غافلون عما يراد بهم وما قد أحاط بهم من البلاء وما يصبحون من العذاب المنتظر ولهذا قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم " لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون " أقسم تعالى بحياة نبيه صلوات الله وسلامه عليه وفي هذا تشريف عظيم ومقام رفيع وجاه عريض قال عمرو بن مالك البكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس أنه قال: ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره قال الله تعالى " لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون " يقول وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا " إنهم لفى سكرتهم يعمهون ". رواه ابن جرير وقال قتادة في سكرتهم أي في ضلالتهم " يعمهون " أي يلعبون وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " لعمرك " لعيشك " إنهم لفي سكرتهم يعمهون " قال يترددون.
فأخذتهم الصيحة مشرقين (73) فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل (74) إن في ذلك لآيات للمتوسمين (75) وإنها لبسبيل مقيم (76) إن في ذلك لآية للمؤمنين (77) يقول تعالى " فأخذتهم الصيحة " وهي ما جاءهم به من الصوت القاصف عند شروق الشمس وهو طلوعها وذلك مع رفع بلادهم إلى عنان السماء ثم قلبها وجعل عاليها سافلها وأرسال حجارة السجيل عليهم وقد تقدم الكلام على السجيل في هود بما فيه كفاية، وقوله " إن في ذلك لآيات للمتوسمين " أي أن آثار هذه النقم الظاهرة على تلك البلاد لمن تأمل ذلك وتوسمه بعين بصره وبصيرته كما قال مجاهد في قوله " للمتوسمين " قال المتفرسين وعن ابن عباس والضحاك للناظرين وقال قتادة للمعتبرين وقال مالك عن بعض أهل المدينة " للمتوسمين " للمتأملين. وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا محمد بن كثير العبدي عن عمرو بن قيس عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم " إن في ذلك لآيات للمتوسمين ". رواه الترمذي وابن جرير من حديث عمرو بن قيس الملائي عن عطية عن أبي سعيد وقال الترمذي لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقال ابن جرير أيضا حدثني أحمد بن محمد الطوسي حدثنا الحسن بن محمد حدثنا الفرات بن السائب حدثنا ميمون بن مهران عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اتقوا فراسة المؤمن فإن المؤمن ينظر بنور الله ". وقال ابن جرير حدثني أبو شرحبيل الحمصي حدثنا سليمان بن سلمة حدثنا المؤمل بن سعيد بن يوسف الرحبي حدثنا أبو المعلى أسد بن وداعة الطائي حدثنا وهب بن منبه عن طاوس بن