وكبرك وضمن تكلم تدعو لان كلامه الناس في كهولته ليس بأمر عجيب وقوله " وإذ علمتك الكتاب والحكمة " أي الخط والفهم (والتوراة) وهي المنزلة على موسى بن عمران الكليم وقد يرد لفظ التوراة في الحديث ويراد به ما هو أعم من ذلك وقوله " وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني " أي تصوره وتشكله على هيئة الطائر بإذني لك في ذلك (فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني " أي فتنفخ في تلك الصورة التي شكلتها بإذني لك في ذلك فتكون طيرا ذا روح تطير بإذن الله وخلقه.
وقوله تعالى " وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني " قد تقدم الكلام عليه في سورة آل عمران بما أغنى عن إعادته.
وقوله " وإذ تخرج الموتى بإذني " أي تدعوهم فيقومون من قبورهم بإذن الله وقدرته وأرادته ومشيئته وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا محمد بن طلحة يعني ابن مصرف عن أبي بشر عن أبي الهذيل قال: كان عيسى ابن مريم عليه السلام إذا أراد أن يحيي الموتى صلى ركعتين يقرأ في الأولى (تبارك الذي بيده الملك) وفي الثانية (ألم تنزيل) السجدة فإذا فرغ منهما مدح الله وأثنى عليه ثم دعا بسبعة أسماء:
يا قديم يا خفي يا دائم يا فرد يا وتر يا أحد يا صمد وكان إذا أصابته شدة دعا بسبعة أخر: يا حي يا قيوم يا الله يا رحمن يا ذا الجلال والاكرام يا نور السماوات والأرض وما بينهما ورب العرش العظيم يا رب وهذا أثر عظيم جدا. وقوله تعالى " وإذا كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين " أي واذكر نعمتي عليك في كفي إياهم عنك حين جئتهم بالبراهين والحجج القاطعة على نبوتك ورسالتك من الله إليهم فكذبوك واتهموك بأنك ساحر وسعوا في قتلك وصلبك فنجيتك منهم ورفعتك إلي وطهرتك من دنسهم وكفيتك شرهم وهذا يدل على أن هذا الامتنان كان من الله إليه بعد رفعه إلى السماء الدنيا أو يكون هذا الامتنان واقعا يوم القيامة وعبر عنه بصيغة الماضي دلالة على وقوعه لا محالة وهذا من أسرار الغيوب التي أطلع الله عليها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم.
وقوله " وإذا أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي " وهذا أيضا من الامتنان عليه عليه السلام بأن جعل له أصحابا وأنصارا ثم قيل إن المراد بهذا الوحي وحي إلهام كما قال تعالى " وأوحينا إلي أم موسى أن أرضعيه " الآية وهو وحي إلهام بلا خلاف وكما قال تعالى " وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا " الآية وهكذا قال بعض السلف في هذه الآية " وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون " أي ألهموا ذلك فامتثلوا ما ألهموا قال الحسن البصري ألهمهم الله عز وجل ذلك وقال السدي قذف في قلوبهم ذلك ويحتمل أن يكون المراد وإذ أوحيت إليهم بواسطتك فدعوتهم إلى الايمان بالله وبرسوله واستجابوا لك وانقادوا وتابعوك فقالوا " آمنا بالله واشهد بأننا مسلمون ".
إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين (112) قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين (113) قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين (114) قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين (115)