قال تعالى لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه بالتوحيد العظيم وبالشرع القويم وأمره أن يدعو الناس إلى صراط الله المستقيم. " قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض " كقوله " قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون " والمعنى: لا أتخذ وليا إلا الله وحده لا شريك له فإنه فاطر السماوات والأرض أي خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق " وهو يطعم ولا يطعم " أي وهو الرزاق لخلقه من غير احتياج إليهم كما قال تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " الآية وأقر بعضهم ههنا " وهو يطعم ولا يطعم " أي لا يأكل وفي حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبي صلى الله عليه وسلم على طعام فانطلقنا معه فلما طعم النبي صلى الله عليه وسلم وغسل يديه قال " الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ومن علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا من الشراب وكسانا من العري وكل بلاء حسن أبلانا الحمد لله غير مودع ربي ولا مكافئ ولا مكفور ولا مستغنى عنه الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام وسقانا من الشراب وكسانا من العري وهدانا من الضلال وبصرنا من العمى وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا الحمد لله رب العالمين " " قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم " أي من هذه الأمة (ولا تكونن من المشركين قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) يعني يوم القيامة " من يصرف عنه " أي العذاب " يومئذ فقد رحمه " يعني فقد رحمه الله " وذلك هو الفوز المبين " كقوله " فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز " والفوز حصول الربح ونفي الخسارة.
وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير (17) وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير (18) قل أي شئ أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني برئ مما تشركون (19) الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون (20) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون (21) يقول تعالى مخبرا أنه مالك الضر والنفع وأنه المتصرف في خلقه بما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه " وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير " كقوله تعالى " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده " وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " ولهذا قال تعالى " وهو القاهر فوق عباده " أي هو الذي خضعت له الرقاب وذلت له الجبابرة وعنت له الوجوه وقهر كل شئ ودانت له الخلائق وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته على الأشياء واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت قهره وحكمه " وهو الحكيم " أي في جميع أفعاله " الخبير " بمواضع الأشياء ومحالها فلا يعطي إلا من يستحق ولا يمنع إلا من يستحق، ثم قال " قل أي شئ أكبر شهادة " أي من أعظم الأشياء شهادة " قل الله شهيد بيني وبينكم " أي هو العالم بما جئتكم به وما أنتم قائلون لي " وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ " أي هو نذير لكل من بلغه كقوله تعالى " ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده " قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع وأبو أسامة وأبو خالد عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب في قوله " ومن بلغ " من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم زاد أبو خالد وكلمه. ورواه ابن جرير من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب قال: من بلغه القرآن فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى " لأنذركم به ومن بلغ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بلغوا عن الله فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله " وقال الربيع بن أنس حق على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن